القاهرة- “اللهم كما أصلحت الصالحين أصلحني واجعلني منهم”.. تلقف المصريون آخر ما كتبه الجندي المصري الشهيد محمد صلاح في صفحته على فيسبوك بعد قليل من كسر وسائل الإعلام الإسرائيلية جدار الصمت الرسمي في القاهرة بشأن ملابسات وهوية منفذ العملية التي قتل فيها 3 جنود إسرائيليين عند نقطة حراسة قرب معبر العوجة.
واتجهت أنظار المصريين إلى منطقة عين شمس شمال شرق محافظة القاهرة حيث ولد محمد صلاح إبراهيم (22 عاما) الذي تحول خلال ساعات إلى “أيقونة شعبية”، وسط حفاوة جارفة تتحدى الصمت الرسمي.
وبدأ صلاح فترة التجنيد الإلزامي في يونيو/حزيران من العام الماضي بقطاع الأمن المركزي في الشرطة المصرية، وهو القطاع الذي يلتحق به عادة المجندون من غير حملة الشهادات الدراسية، حيث تصل مدة الخدمة إلى 3 سنوات.
كما أن صلاح -الذي لم يكمل تعليمه وانتهى به الأمر إلى الشهادة الإعدادية- لم يوفق في مسيرة التعليم الثانوي الصناعي، حسبما يقول أبو سامي الموظف بإحدى الوحدات الصحية القريبة من عين شمس للجزيرة نت.
ويؤكد أبو سامي أن صلاح ليس له أي نشاط سياسي من قريب أو من بعيد، لكنه كان يظهر تعاطفا من وقت إلى آخر مع قطاع غزة كلما اشتدت الضربات الإسرائيلية، وكتب ذات مرة على صفحته “الله يقف مع فلسطين”.
ويشير أبو سامي في الوقت نفسه إلى أن صلاح -الذي يعول أسرته مع أخيه الأكبر محمود بعد وفاة والده في حادث سير- يجيد القراءة والكتابة رغم أنه لا يحمل أي مؤهل دراسي عال.
وينقل أبو سامي عن أقارب في منطقة عين شمس أن صلاح كان يقضي فترة تجنيده الإلزامي في قطاع شمال سيناء عند العلامة الدولية رقم 47، وبقيت له مدة خدمة تزيد على سنة ونصف السنة تقريبا، كما يذكر أبو سامي نقلا عن مقربين من صلاح أنه كان يحب الرسم وأن أصدقاءه كانوا يلقبونه بـ”الرسام”، وكان أيضا يحب السفر والرحلات.
غسيل الأدمغة
ويشير ضابط سابق -فضل عدم الكشف عن اسمه- “إلى أن صلاح ابن شارع أحمد عصمت في منطقة عين شمس سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه”.
ويقول للجزيرة نت إن صلاح المولود في عام 2001 رغم حداثة سنه قدم خدمة جليلة في وجه ما سماها محاولات غسيل أدمغة الشعب المصري، قائلا إن المليارات التي صرفت في هذا الاتجاه “ذهبت هباء منثورا”.
ويحذر الضابط السابق في حديث للجزيرة نت من أن أقارب وذوي صلاح قد يتعرضون لمساءلات واستجوابات طويلة ومعمقة من جانب الأجهزة الأمنية، وينقل عن شهود في المنطقة لافتا إلى أن قوة أمنية زارت بالفعل منزل صلاح واقتادت أخاه وعمه إلى مكان غير معلوم، وسألت عن توجهات صلاح السياسية والدينية.
كما يشير إلى أن إسرائيل ربما سلمت بالفعل جثمان الشهيد للقاهرة، موضحا أن القناة الـ12 الإسرائيلية ذكرت ذلك في إطار الحرص على العلاقات مع مصر.
رسالة ضد التطبيع
ويؤكد أحمد سلطان (طالب) من سكان حي النزهة في محيط منطقة عين شمس على ضرورة “الاحتفال بالبطل الشهيد”، ويقول للجزيرة نت “لو كانت معه ذخيرة لقتل منهم المزيد”، مضيفا “ابن عين شمس، كلنا فخورون بك يا فخر العرب الحقيقي”.
ويرى سلطان أن “الشهيد البطل كان يقوم بواجبه في الدفاع عن أرضه وعرضه وبلده ووطنه، وكان يقوم بواجبه ضد مهربي المخدرات وليس مدفوعا من أحد”، مطالبا الدولة بتكريمه وسرعة إحضار جثمانه لدفنه.
بدوره، يلقب عضو حركة الاشتراكيين المصريين علاء جميل الجندي المصري محمد صلاح بأنه “سليمان خاطر الجديد”، في إشارة إلى الجندي الذي نفذ عملية مماثلة على الحدود عام 1985 وقتل 5 جنود إسرائيليين.
ويرى جميل في حديثه للجزيرة نت أن الحادث يبعث رسالة مهمة ضد من يسميهم المطبعين مع العدو، قائلا إن تطبيع العلاقات مع إسرائيل فشل فشلا ذريعا على المستوى الشعبي، كما يعتبر أن “كل محاولات تغييب الوعي وتغيير المفاهيم” لم تحقق أي نتيجة وربما جاءت بنتيجة عكسية.
واستبق المصريون على المستوى الشعبي الموقف الرسمي بخطوات، ولم ينتظروا البيانات الرسمية التي تعودوا أن تتأخر بعض الوقت وتخرج في شكل روايات مفككة كما يقول أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة القاهرة علي جوهر للجزيرة نت، ويشير إلى أن الشارع حوّل الشهيد محمد صلاح إلى “أيقونة شعبية جارفة”.
ويرى جوهر أن على الموقف الرسمي أن يتعاطى بالشكل اللائق مع الحدث ويحترم عقلية المصريين ويعترف في الوقت نفسه بصعوبة إجبارهم على تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتغيير مشاعرهم.
كما ينصح جوهر الموقف الرسمي بالاستفادة من الشعور العام الرافض لإسرائيل ولجرائمها في تحسين صورته الداخلية واكتساب بعض الشعبية.
حدود ملتهبة
وبينما توصف الحدود المصرية مع إسرائيل بأنها ملتهبة ووسط توقعات بأن تزداد التهابا طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مصر بإجراء تحقيق “مشترك وشامل” بشأن الحادث، وذلك ردا على رواية رسمية أعلنتها القاهرة ووصفت بأنها ضعيفة ومفككة جاءت على لسان المتحدث العسكري المصري الذي قال إن عنصرا أمنيا مصريا تبادل إطلاق نار أثناء مطاردته مهربي مخدرات، مما أدى إلى وفاة 3 عناصر إسرائيليين.
وبينما لاذت مصر بالصمت على المستوى الرسمي ويلف روايتها قدر من الغموض والارتباك -بحسب مراقبين- أكدت إسرائيل أنها “ستحقق بدقة” في حيثيات الحادثة التي وصفتها بالنادرة والخطيرة.
وفي هذا السياق، يقول الناشط السياسي كمال يحيى للجزيرة نت إن الحكومة الإسرائيلية تحركت على وقع حالة من الغضب الداخلي، مشيرا إلى أن الصحف الإسرائيلية ضغطت بقوة وبدأت من جانبها تجاوز خطوط أمنية وعسكرية حمراء حول الحادث.
وتوقع يحيى أن تستمر التحقيقات الإسرائيلية فترة طويلة، لمعرفة كيفية تمكن عنصر الأمن المصري من اختراق الحدود في ظل وجود حاجز يمتد على طولها وبارتفاع عدة أمتار، كما يشير إلى أن إسرائيل تسعى لاستغلال الحادث في توسيع وبسط سيطرتها الأمنية على الحدود مع مصر.
من جهته، تحدث الخبير في مركز دراسات الشرق وجدي عبد الحافظ عن توتر غير مسبوق على الحدود مع مصر قائلا للجزيرة نت “هذا الحادث سيكون له ما بعده”.
ووصف عبد الحافظ هجوم الجندي صلاح على الجنود الإسرائيليين بأنه ضربة مؤلمة ومربكة للجيش الإسرائيلي، كما أشار إلى أن الحدود كانت هادئة عادة لكنها شهدت محاولات متكررة لتهريب المخدرات، مما أدى إلى وقوع اشتباكات بالذخيرة الحية في السنوات الأخيرة بين المهربين والجنود الإسرائيليين المتمركزين على طول المنطقة.