الجزائر- أطلقت مجموعة أحزاب ومنظمات نقابية ومجتمعية في الجزائر مبادرة وطنية بعنوان “تعزيز التلاحم وتأمين المستقبل”، جمعت حتى الآن 28 كيانا سياسيا، فضلا عن شخصيات عامة، وهو ما يشكل تكتلا وحدويا غير مسبوق في البلاد منذ حراك 22 فبراير/شباط 2019.
ويبرر القائمون على المبادرة خطوتهم بتزايد “حجم المخاطر التي تحيط بالجزائر، والتحديات التي تمس أمنها واستقرارها وسيادتها وتماسك نسيجها المجتمعي، والحملات الرامية لتشويه مؤسساتها”.
يهدف الموقعون على المشروع إلى وضع “إطار جامع للتشاور والحوار والتنسيق والتعاون”، داعين شركاء الساحة الوطنية من دون استثناء للالتفاف حوله والعمل معا على تجسيد مقاصده.
وربط بيان التأسيس المبادرة بما يشهده العالم من “تحولات جوهرية متسارعة، لها انعكاسات سلبية على الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لمختلف الدول، والجزائر ليست بمنأى عنها”.
#الجزائرالآن..مكونات وطنية تطلق مبادرة سياسية
المقال : https://t.co/B0ALfw7KdA pic.twitter.com/K4cuX9sKJH
— الجزائر الآن (@AlanAljzayr) June 4, 2023
مطالب التحالف
وفي تفاصيلها، تطالب المبادرة بـ”استكمال ضمان الأمن القومي بكل أبعاده، من خلال مشروع وطني متكامل لا إقصاء فيه، يدعم المكاسب الوطنية في الحقوق والحريات، وتعزيز مبدأ الوحدة الوطنية وتكريس الديمقراطية التشاركية”.
كما يشدد التكتّل على “التوافق بين مختلف القوى الوطنية والفاعلين على رؤية اقتصادية واضحة حتى عام 2040، لبناء اقتصاد تنافسي يسمح بالتحضير لدخول مجموعة بريكس، والاستثمار في العلوم والتكنولوجيا والطاقات المتجددة، وإعادة تنظيم الزراعة والسياحة وعصرنة البنوك”.
وتؤكد المبادرة على “تعزيز الطابع الاجتماعي للدولة، ومراجعة نظام الدعم ومنظومة التأمين الاجتماعي، وتوسيع منح العمل النقابي، مع فتح قنوات الحوار الاجتماعي، وترشيد الإنفاق في مجال الإسكان”.
أما في جانبها المجتمعي، فتنشد المبادرة “تفعيل الخطاب الديني منعا لفتاوى الاختراق، ومنع تكرار تجربة التسعينيات الأليمة، ومراجعة المنظومة التعليمية لترسيخ الثوابت، ودعم الإنتاج الدرامي الذي يمجد تاريخ التجربة الثورية، ومراجعة المنظومة الإعلامية”.
ومن أبرز الموقعين عليها، أحزاب الفريق الحكومي والأغلبية البرلمانية، على غرار: حركة البناء الوطني، وجبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل، وتشكيلات أخرى أقل وزنا.
وكان لافتا أيضا توقيع هيئات جماهيرية تاريخية، في وزن المنظمة الوطنية للمجاهدين، والمنظمة الوطنية لأبناء الشهداء، والاتحاد العام للعمال الجزائريين، والاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، والكشافة الإسلامية الجزائرية، إضافة إلى تنظيمات نقابية وأرباب عمل.
مبادرة موازية لعقد تاريخي
ومن جهة أخرى، كشفت جبهة القوى الاشتراكية، وهي أقدم أحزاب المعارضة في الجزائر، عن مبادرة موازية موجهة للأحزاب من أجل المشاورات، بهدف التوجه نحو “عقد تاريخي لاستكمال المشروع الوطني”.
وقال الأمين الوطني الأول يوسف أوشيش، خلال دورة مجلس الحزب مطلع هذا الأسبوع، إنّ المبادرة “ستكون شاملة دون إقصاء، تنأى بها عن الانقسامات الأيديولوجية، لتتوجه إلى جميع القوى السياسية المتشبثة بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية”.
وفي الوقت نفسه ستكون حازمة، بحسب المسؤول الحزبي، لما يتعلق الأمر بـ”الوقوف في وجه محاولات داخلية كانت أو خارجية، من شأنها المساس تحت أي ذريعة كانت بوحدة البلاد وسلامتها وبالدولة ومؤسساتها”.
ودعا المتحدث السياسي الأحزاب لتحمّل مسؤولياتها، بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية، لحماية البلاد من “الصدامات الداخلية على وقع توظيف الشارع، وفتح آفاق سياسية حقيقية تضع حدا وتقضي على كل محاولة لاستعادة نظام سلطة كاد أن يتسبب في انهيار الدولة الوطنية، على حد تعبيره.
وفي ضوء ذلك، أعلن أوشيش أنّ حزبه سيقدم قريبا مقترحا سياسيّا ملموسا إلى مجموع الشركاء السياسيين.
ندوة وطنية
وبخصوص الأهداف والخطوات العملية المقبلة لمشروع “تعزيز التلاحم الوطني وتأميل المستقبل”، أوضح عبد القادر بن قرينة رئيس حركة البناء الوطني -وهي الحزب المؤسس للمبادرة- أنها ترمي للتعاون مع مؤسسات الدولة في الدفاع عن المصالح القومية والأمن الحيوي في محيط إقليمي ودولي مضطرب.
وكشف بن قرينة -في حديث للجزيرة نت- عن أن المجموعة ستباشر اتصالات مكثفة مع كل الأطراف الوطنية بدون استثناء، لعرض مشروع المبادرة وشرح أبعادها، و”التحضير لندوة وطنية جامعة شهر يوليو/تموز المقبل، للعمل على تطوير آليات العمل مع مختلف الشركاء”.
وشدد المتحدث على أن مبادرتهم تبقى إطارا وطنيا دائما للحوار، لا تحده مناسبة ولا يرتهن لموعد سياسي، “يلتقي فيه جزائريون لبحث تأمين مسار البلد وتأكيد التلاحم أمام تحديات ورهانات لا يمكن التصدي لها بصف وطني مشتت”، على حد تعبيره.
ورفض المرشح الرئاسي السابق أية أحكام سياسية أخرى على أهداف المبادرة لا تلزمها، في إشارة منه إلى قراءات مراقبين يربطونها بالتحضير المبكر لاستحقاق انتخابات الرئاسة في البلاد 2024.
مشروع سياسي
ومن جانبه، يعتقد المحلل السياسي بوحنية قُوي، العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة قاصدي مرباح، أنّ الحاجة ملحة لتلاحم وطني أمام حجم الرهانات والتحديات الإقليمية والدولية، مُبديا تحفّظه على التقليل من حقيقة التهديدات التي تتعرض لها الجزائر، رغم أنها “تعيش حاليا على وقع استقرار اقتصادي ومالي وأمني وديناميكية دبلوماسية غير معهودة”.
ويرى العميد السابق لكلية الحقوق بجامعة قاصدي مرباح أن رئاسة الجمهوريّة مدركة لخلفيات المبادرة، حيث إنّ من “أهم داعميها حركات وتنظيمات مجتمع مدني راهن ويراهن عليها الرئيس عبد المجيد تبون في منظومة الحكم وآليات تسيير الشأن الوطني”.
وأضاف بوحنية -في تصريح للجزيرة نت- أنّ ملمح المجموعة يكسبها قوة الطرح والاستمرارية، بغض النظر عن “القراءات السياسية التي تصاحب المبادرة، والمرتبطة بما هو قادم من استحقاقات مهمة ستعرفها الجزائر”.
ويشرح رؤيته بالقول إنّ التكتل الوحدوي يضمّ أطيافا حزبية وجمعوية متعددة وزوايا وكتابا وإعلاميين ونقابيين، كما أنه منفتح على جميع الآراء والمقترحات، مما يجعل أرضيته تتكئ على عناصر جامعة، قد تشكل مشروعا سياسيّا ومجتمعيّا يتجاوز المواعيد الانتخابية إلى رؤى إستراتيجية.
ويتوقع المحلل أن تستمدّ المبادرة قوتها من “وضوح الهدف والرؤية من جهة ثانية، ومن الدعم الجماعي الوطني والإسناد المجتمعي والسياسي من جهة أخرى”.