جامو، المنطقة الجنوبية من كشمير الهندية التي كانت حتى الآن بمنأى عن عنف الجماعات الانفصالية، لكنها أصبحت ساحة معركة جديدة بين السلطات الهندية وبين سكان المنطقة المسلمين الرافضين لسياسة الأمر الواقع التي تحاول دلهي فرضها في الإقليم بعد إلغائها الحكم شبه الذاتي لكشمير بشكل مفاجئ في أغسطس/آب 2019.
وفي خضم هذه المعركة، برزت مليشيات قروية تدافع عن القرى الهندوسية وذلك تحت رعاية السلطات الهندية الرسمية.
وتقول صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية -في تقرير بقلم مبعوثها الخاص في جامو جهانجير علي- إن وزير الداخلية الهندي أميت شاه قرر إعادة تنشيط الشبكات المدنية عام 2022، وهي شبكات كانت تسمى “لجان الدفاع القروية”.
وهذه اللجان شُكلت في جامو (القسم الهندي من كشمير حيث يشكل المسلمون 70% من السكان) عام 1993، وتضم 27 ألف متطوع، ولم يتم حلها قط، وهي تشارك في العمليات ضد المسلحين وفي جمع المعلومات الاستخبارية من أجل كبح جماح هؤلاء المسلحين.
وبعد تنشيط هذه الشبكات انضم إليها كثيرون، وهم يتلقون تدريبات في التعامل مع الأسلحة والبنادق، بالإضافة إلى مبلغ شهري بنحو 4000 روبية (نحو 46 دولارا) للدفاع عن قراهم، وفقا لرام راتان العضو في حزب بهاراتيا جاناتا الذي يدافع عن هذه المليشيات بقوله “هذه المليشيات ضرورية، وإلا فإن المسلحين سيذبحوننا مثل الأغنام”.
مليشيات مثيرة للجدل
غير أن أعضاء هذه المليشيات هاجموا المسلمين، واستغلوا أحيانا مناصبهم لتسوية خلافات شخصية، وبالفعل سجلت 221 قضية جنائية ضد رجال المليشيات تتعلق بتهم القتل والاغتصاب والابتزاز، حسب بيانات رسمية، ويقول شفيق مير (مسؤول محلي منتخب من ولاية راجوري) إن “المسلحين قتلوا زوجاتهم وهاجموا جيرانهم وأطلقوا -أحيانا- النار على الناس وهم في حالة سكر”.
وفي مدينة دغري، أطلق أحدهم النار عام 2011 على تلميذة مسلمة بزعم أنها رفضت محاولاته الجنسية، وغادرت الفتاة القرية مع أسرتها بعد الهجوم، لكن عددا كبيرا من السكان المسلمين لا يزالون يعيشون هناك وهم يشعرون بالخيبة، لأن الأسلحة وُزعت على السكان الهندوس دون غيرهم.
ويقول أحد القرويين المسلمين “من غير المنصف تسليح طرف واحد من المجتمع، فإذا لم يشعر الهندوس بالأمان فعلى الحكومة أن تنشر المزيد من قوات الأمن في القرية”.
وأشار المراسل إلى أن وجود مثل هذه المليشيات في منطقة تعد من أكثر المناطق عسكرة في العالم يناقض الخطاب الرسمي، حيث بشر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ووزير داخليته عندما تم إلغاء الحكم الذاتي لكشمير بأن التشدد الانفصالي سينتهي وسيعود السلام إلى المنطقة، في حين أن عودة المليشيات تظهر أن الأمور تخرج عن نطاق السيطرة، كما قال أجاي شوكلا، خبير الدفاع والصحفي الذي كان قد عمل ضابطا بالجيش الهندي في كشمير.
غضب صامت
وبعد 6 أشهر من إلغاء الحكم شبه الذاتي -كما يقول المراسل- غرقت كشمير في ثقب أسود، حيث قطعت خطوط الهاتف الثابت والمحمول، وسجن آلاف الأشخاص بموجب قانون يعود إلى الحقبة الاستعمارية.
كما شنت الحكومة الهندية حملة قمع لا هوادة فيها على ما تسميه “النظام البيئي الإرهابي” في كشمير، حيث “يسود جو من الخوف -كما يقول رئيس الحكومة السابق في المنطقة محبوبة المفتي- وحيث المداهمات والاعتقالات تحدث بشكل شبه يومي، وحيث أيضا يستمر الغضب في الانتشار، ولكن بصمت”.
ومع أن سياسة الحكومة المتعنتة أعادت بعض مظاهر السلام ظاهريا -كما يرى المراسل- وبدأ السائحون العودة إلى وادي الهيمالايا وبحيرة دال في سريناغار، وشارفت الطرق السريعة والأنفاق الجديدة والمرافق التعليمية على الانتهاء، فإن العنف انتقل إلى جامو التي ظلت بمنأى عنه حتى إعلان إلغاء الحكم شبه الذاتي لكشمير.
فقد قُتل ما لا يقل عن 13 مدنيا و20 جنديا من الجيش في هجمات شنها مسلحون انفصاليون خلال 16 شهرا الماضية في جامو، وقال قائد شرطة المنطقة ديلباغ سينغ إن “بعض سكان جامو يقدمون الطعام والمأوى للمتشددين الذين يتلقون أسلحة وذخيرة ومتفجرات من باكستان عبر طائرات مسيرة”.
وختم المراسل بأن هذا العنف المتجدد في جامو يأتي في أسوأ وقت بالنسبة لحكومة الهند التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين، مشيرا إلى أن دبلوماسييها بذلوا الكثير من الجهد لطمأنة العالم بأن الوضع قد عاد إلى طبيعته في كشمير، ولكن الخبير الدفاعي شوكلا يقول إن “العسكرة والقمع لن ينجحا ولن يؤديا إلا إلى تعقيد المشكلة”.