واشنطن- بعد أسبوعين من زيارة قام بها مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى السعودية، يبدأ وزير الخارجية أنتوني بلينكن زيارة أخرى لمتابعة عدة ملفات جوهرية في علاقات واشنطن بالرياض ودول مجلس التعاون الخليجي.
وتركز زيارة بلينكن على حدثين رئيسيين، إذ يشارك غدا الأربعاء في الاجتماع الوزاري بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي. واليوم التالي يشارك مع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في استضافة اجتماع ما سمي التحالف الدولي لهزيمة “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش).
وفي إيجاز صحفي، كرر دانيال بنايم نائب مساعد وزير الخارجية لشؤون شبه الجزيرة العربية جوهر رسالة الرئيس جو بايدن إلى المنطقة خلال زيارته إلى جدة الصيف الماضي، بالقول “لن نترك فراغا لمنافسينا الإستراتيجيين في المنطقة”.
أجندة واسعة ومعقدة
تملك الولايات المتحدة أجندة معقدة وواسعة مع دول مجلس التعاون الخليجي، أساسها تحديات الأمن الإقليمي الواسع والعميق، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر إيران، التعاون الأمني الإقليمي، أمن الطاقة، إنفاذ العقوبات والتدفقات المالية، أمن التكنولوجيا، أمن البحر الأحمر، مستقبل العلاقات مع سوريا، وغيرها.
وبهذا السياق، أكد المدير التنفيذي لمركز تحليلات دول الخليج العربي بواشنطن جورجيو كافييرو أنه ومنذ اندلاع الصراع في السودان منتصف أبريل/نيسان الماضي “تعمل إدارة بايدن عن كثب مع السعودية والإمارات” استجابة لهذه الأزمة.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف كافييرو “من الآمن أن نفترض أن التعاون الأميركي السعودي تجاه السودان سيكون إحدى القضايا المهمة التي سيناقشها بلينكن مع نظرائه في المملكة”.
وفي خطابه أمس أمام مؤتمر منظمة آيباك (أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة) خفض بلينكن من سقف التوقعات فيما يتعلق بملف العلاقات السعودية الإسرائيلية، وسط ضغوط تتعرض لها إدارة بايدن للضغط على الرياض لتقبل بدء خطوات طال انتظارها في واشنطن وتل أبيب.
معضلة إيران والأمن البحري والإقليمي
تأتي زيارة بلينكن بعد أيام من إعلان إيران عن خطط لإنشاء قوة بحرية مشتركة مع السعودية والإمارات وعمان وقطر والبحرين والعراق والهند وباكستان، وبعد ما يقرب من 3 أشهر من إعادة الرياض وطهران العلاقات في اتفاق توسطت فيه الصين.
وفي هذا الإطار، قال كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن حسين إبيش “الولايات المتحدة سترغب في التحدث عن الأمن البحري في الخليج والبحر الأحمر، لا سيما فيما يتعلق بالدفاع الجوي والصاروخي وكل ما يتعلق بإيران، ونظام الاحتواء والردع الجديد الذي تطوره الولايات المتحدة ضد طهران منذ انهيار المفاوضات النووية غير المباشرة لخطة العمل الشاملة المشتركة”.
وفي حديثه للجزيرة نت، أشار أبيش إلى أن “هدف واشنطن هو تحويل ما هو ضمن الترتيبات الثنائية إلى سلسلة متشابكة من التفاهمات الإقليمية التي تنتج نوعا فضفاضا جدا من العلاقات الأمنية المتكاملة، بحكم الأمر الواقع”.
الصين في الخليج
خلال الأسابيع الأخيرة خرجت من واشنطن العديد من الإشارات المعبرة عن التحفظ على أي تعاون أمني بين بكين ودول الخليج الحليفة لها. وسبق وأن توقفت صفقة طائرات لدولة الإمارات بسبب علاقاتها القوية مع شركة هواوي عملاق التكنولوجيا والاتصالات الصينية.
وتدرك واشنطن أنها لا تستطيع منع الصين من تطوير علاقات أوسع مع دول مجلس التعاون الخليجي، تتجاوز شراء وبيع الطاقة، مع بروزها لتصبح لاعبا عالميا. لذلك فإن الهدف هو ضمان أن هذه العلاقات الجديدة لا تهدد الهيمنة الإستراتيجية للولايات المتحدة بالمنطقة.
من جانبه، أقر جون ألترمان رئيس برنامج الشرق الأوسط بمركز السياسات الدولية والإستراتيجية بواشنطن أن هدف الولايات المتحدة ليس إخراج الصين من الخليج أو مواجهتها في هذه المنطقة، بل ضمان أن تكون مشاركة بكين المتزايدة بالخليج بناءة ولا تقوض أمن الولايات المتحدة وشركائها.
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف ألترمان أن “الصين هي الشريك التجاري الرئيسي للولايات المتحدة قبل كل شيء، ولا أحد يشير إلى وجود أي شيء خطأ في زيادة التجارة. لكن عندما يتعلق الأمر بإمكانية فتح الباب أمام وجود أمني صيني أو أمكانيات مراقبة صينية، فإن وجهة نظر الولايات المتحدة تختلف”.
ويتفق كافييرو مع طرح ألترمان، ويقول “لدى الإدارة الأميركية مخاوف جدية بشأن العلاقات الصينية السعودية ومدى تعمقها. ولا تتعلق المخاوف بالعلاقات الاقتصادية والتجارية للمملكة مع بكين، بل بالأبعاد الدفاعية والأمنية للعلاقات بينهما. وقد مارست إدارة بايدن ضغوطا على الرياض وأبو ظبي لتجنب الاقتراب من الصين في هذه المجالات”.
ويعود كبير الباحثين بمعهد دول الخليج العربية بواشنطن فيقول إن الولايات المتحدة قد أوضحت بجلاء وجود “خطوط حمراء لما ستتسامح معه، وهو ما سيكون عمليا أي شيء لا يمنح بكين موطئ قدم إستراتيجيا جديدا في المنطقة”.
وأضاف أبيش “ما هو غير مطروح على الطاولة، إذن، أشياء مثل قدرات استخبارات الإشارات، وعمليات نقل التكنولوجيا الحساسة، والمرافق ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن أن يكون لها تطبيقات عسكرية للبحرية الصينية أو غيرها من المكونات العسكرية أو الأمنية، وغيرها من التدابير المماثلة التي يبدو أنها تسهل ظهور بكين كلاعب إقليمي يتجاوز العلاقات الطبيعية والمعيارية بين الدول”.
رؤية سعودية أميركية مشتركة
على الجانب الآخر، من النقاش حول الزيارة داخل واشنطن، دعا بريان كاتوليس نائب رئيس معهد الشرق الأوسط لشؤون الأبحاث إلى ضرورة صياغة واشنطن والرياض “رؤية 2023” لعلاقتهما الثنائية، لتناسب المساعي التي تقوم بها المملكة حاليا لإعادة تشكيل أجندتها الاقتصادية والاجتماعية في الداخل.
وأكد كاتوليس أن “زيارة بلينكن هذا الأسبوع توفر فرصة أخرى للولايات المتحدة للعمل مع السعودية لصياغة علاقة ثنائية جديدة تتعامل مع التهديدات المشتركة وتغتنم الفرص الجديدة، كل ذلك مع إبقاء قناة مفتوحة لمناقشة الأمور التي تختلف حولها الدولتان”.