الخليل- لم تنل قيود السجان وعتمة السجن لأكثر من 17 عاما من إصرار وعزيمة الفلسطيني أيمن اطبيش (43 عاما) وحرصه على إنهاء دراسته الجامعية في الهندسة رغم الانقطاعات المتكررة بسبب الاعتقالات على مدى 25 عاما.
وحظي الأسير الفلسطيني السابق -وهو أب لابنين أكبرهما يبلغ من العمر عاما ونصف العام- باحتفاء خاص من زملاء الجامعة وبحضور والدته تحمل باقات الورد وتذرف دموع الفرح بتخرجه مثلما ذرفت دموع الحزن في اعتقالاته وإضراباته.
منزل والدته -التي طالما استقبلت الصحفيين خلال إضرابات أيمن عن الطعام في السجون الإسرائيلية- بات مجددا وجهة للصحفيين والمهنئين لنقل تجربة أيمن بعد مناقشته أمس الثلاثاء مشروع تخرجه في الهندسة الميكانيكية بجامعة البوليتكنيك في مدينة الخليل.
وعن تجربته الدراسية، يقول اطبيش إنه واجه صعوبات نتيجة الانقطاع عن الدراسة، أبرزها تغيير الخطة الدراسية ورقمه الجامعي 3 مرات، مما ترتب عليه وجود فارق معرفي بين ما درسه وما سيدرسه.
وعن دوافع إصراره على إتمام دراسته الجامعية رغم سنوات اعتقاله الطويلة يقول إن “المعركة مع العدو معركة وعي، وديننا الحنيف حثنا على التعلم”، بحسب حديثه للجزيرة نت.
الكتب العلمية ممنوعة في السجن
في عام 1998 أنهى اطبيش الثانوية العامة والتحق بالجامعة لدراسة الهندسة الميكانيكية، وقبل أن يتم عامه الأول اعتقله جيش الاحتلال لأكثر من عام، ثم عاد ليستأنف دراسته مجددا.
تكرر الانقطاع عن الجامعة، فقد اعتقل 8 مرات، وزاد مجموع ما أمضاه في السجون على 17 عاما، لكن ذلك لم يمنعه من العودة إلى جامعته بعد كل إفراج.
خاض اطبيش في تجربة الاعتقال إضرابين عن الطعام، أحدهما لمدة 105 أيام عام 2013، والآخر 122 يوما عام 2014، وحقق فيهما مطلب تحديد سقف زمني لاعتقاله الإداري.
يقول الأسير السابق إن الاحتلال يمنع دخول أي كتب علمية إلى السجن “حتى لو كان جدول الضرب”، مبينا أن ذلك زاد العبء عليه وجعله ينقطع عدة مرات عن تخصصه.
وأشار إلى فارق علمي بين سنة التحاقه بالجامعة عام 1998 وسنة تخرجه عام 2023، مبينا أن العلوم تغيرت، وإدارات وسياسات الجامعات تغيرت، والطلبة أيضا تغيروا.
ويستطيع الأسرى الالتحاق ببعض الجامعات الفلسطينية لدراسة العلوم الإنسانية والأدبية، حيث يمكن إدخال بعض الكتب ذات الصلة بالتخصص بعكس التخصصات العلمية غير المسموح بكتبها.
وعن الصعوبات التي يواجهها الطالب الأسير، يقول أيمن إنه مع تقدم العمر تزداد المسؤولية و”عدم القدرة على مواكبة العلوم نظرا لمنع إدخال كل كتب العلوم، وأيضا انشغالات الأسرة والالتزامات العائلية، المصاريف وقلة المصادر المادية، تواصل الأحداث السياسية”.
ويستذكر أيمن زملاء الجامعة في سنواتها الأولى، ويحتفظ بصورة تعود لعام 1998 تجمعه مع عدد منهم داخل الاعتقال، ويضيف “بعضهم قضى شهيدا مثل محمد سدر وأحمد الفقيه وأحمد شاهين ونشأت الكرمي، وبعضهم أسير مفرج عنه أو ما زال معتقلا”.
التخصص نفسه والجامعة ذاتها
صديقه ورفيقه في الاعتقال رافع مضية سبق أيضا أن انقطع عن جامعته نتيجة تعرضه لـ4 اعتقالات، لكنه تمكن من إتمام دراسته الجامعية.
يقول مضية (45 عاما) إن المختلف في قصة أيمن أنه أصر على دراسته في نفس التخصص وفي نفس الجامعة طوال ربع قرن.
وعن تجربته الذاتية، يقول مضية إنه التحق بجامعة بوليتكنيك فلسطين لدراسة الهندسة عام 1997، لكنه انقطع عن الدراسة وغيّر تخصصه عدة مرات بسبب الاعتقالات.
وأضاف أنه انتقل إلى جامعة الخليل ليدرس إدارة الأعمال، ثم انتقل إلى جامعة القدس المفتوحة في نفس التخصص، ثم دراسة الماجستير في إدارة المؤسسات في جامعة القدس.
ويشير مضية إلى أن الجامعات الفلسطينية تتفهم انقطاع الطلبة نتيجة الاعتقال وتسهل عودتهم، لكن الطلبة أنفسهم يصطدمون بالتغييرات، ومنها الدراسة إلى جانب بطلبة يصغرونهم بـ10 سنوات أو أكثر.
ويضيف أن خطط الدراسة والمساقات الدراسية تتغير باستمرار، مما يتسبب في مسافة بين ما وصل إليه الطالب وتعلمه وما يعتزم دراسته.
الأسرى الجامعيون
ووفق معطيات هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية نهاية 2022، فإن 800 من الأسرى يدرسون في تخصصات مختلفة بجامعات عدة.
وعلى مدار سنوات ماضية تقول الهيئة إن 783 أسيرا تمكنوا من الحصول على درجة البكالوريوس و137 أسيرا حصلوا على درجة الماجستير، وفق آليات خاصة بالجامعات خلال اعتقالهم.
وسنويا تقيم الهيئة وعدد من الجامعات الفلسطينية حفلات تخريج خاصة بالأسر يحضرها ذووهم أو الأسرى بعد تحررهم.
ووفق نادي الأسير الفلسطيني غير الحكومي، يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 4900، بينهم أكثر من ألف معتقل إداري بلا تهمة أو محاكمة أو سقف اعتقالي و554 أسريا محكومون بالسجن المؤبد.