مراسلو الجزيرة نت
طهران- “لم تكن الهجرة في الحسبان قبل عقدين عندما جلست لأول مرة على مقاعد كلية الطب بجامعة طهران بحثا عن مكانة اجتماعية مرموقة، إلا أن المضايقات الاجتماعية أقنعتني بالانضمام إلى زملائي الذين سبقوني في المغادرة”، هكذا يبدأ الإيراني “بدرام” حكايته مع الهجرة.
وأضاف استشاري جراحة القلب والصدر بالعاصمة طهران -الذي فضل الحديث باسم مستعار- أنه بالرغم من المستوى المعيشي الجيد الذي تتمتع به أغلب الأوساط الطبية في إيران، فإن قوانين الضرائب والتسعيرة المتدنية للمعاينات الطبية، تجعل من فتح العيادات الطبية أمرا غير مجد ماديا.
ويشرح بدرام الذي حصل مؤخرا على الشهادات اللازمة للهجرة، أنه لا يريد مغادرة إيران نهائيا، وإنما يبحث عن مستوى حياة أفضل وحريات شخصية كبرى.
خطورة على النظام الصحي
بعد سنوات من نزيف هجرة العقول الإيرانية نحو الدول الأوروبية والولايات المتحدة، فإن آخر الإحصائيات الرسمية تشير إلى تصاعد حركة الهجرة إلى الدول الخليجية، ولا سيما عقب جائحة كورونا التي شكّلت منعطفا في خروج الأطباء والكوادر الطبية من إيران.
وبحسب أحدث استطلاعات الرأي التي يجريها المرصد الإيراني للهجرة، فقد قرر الهجرة نحو 40% من الأطباء والممرضين المستطلعة آراؤهم، مقابل 27% لم يتخذوا قرارا بعد، في حين أكد 15% عدم رغبتهم بالهجرة، فيما أجلت 18% من الكوادر الطبية اتخاذ القرار إلى وقت لاحق.
لذلك، يدق رئيس اللجنة الصحية في البرلمان الإيراني حسين علي شهرياري ناقوس الخطر من استمرار هجرة الأطباء المتخصصين، وخطورة ذلك على النظام الصحي في بلاده، موضحا أن نحو 10 آلاف طبيب متخصص قد حصلوا بالفعل خلال العامين الماضيين على الوثائق والشهادات اللازمة من أجل الهجرة، وأن الدول الخليجية كانت وجهتهم الرئيسية.
بدوره، يشير المتحدث باسم النظام الصحي الإيراني رضا لاري بور إلى تراجع أجور الأطباء في إيران مقارنة مع الدول الجوار، مؤكدا أن مستوى دخل الأطباء في الدول الخليجية يبلغ 4 أضعاف أجور الأطباء الإيرانيين على أقل تقدير، وأن متوسط ما يجنيه الطبيب في دول أخرى مثل باكستان والعراق وأفغانستان وتركيا، يساوي 18 ضعفا لما يتقاضاه الطبيب داخل إيران.
أسباب ودوافع
يحذر مرصد الهجرة الإيراني من استمرار وتيرة هجرة الكفاءات الطبية بما يهدد بظهور عجز في التخصصات الطبية، وذلك بعد أعوام قليلة من دقه ناقوس الخطر من مشكلة عجز الممرضين في المستشفيات الإيرانية عقب تفشي جائحة كورونا.
ويذكر المرصد أسبابا عديدة لتزايد رغبة الأطباء الإيرانيين في مغادرة البلاد منذ عام 2013 حتى تجاوز معدل الهجرة في البلاد عام 2021 المتوسط العالمي. ويمكن تلخيص دوافع الأطباء الإيرانيين في الهجرة، وفق التالي:
دوافع اقتصادية
- فقدان العملة الوطنية قيمتها في ظل التضخم المستفحل.
- التفاوت الكبير في الرواتب والأجور بين داخل البلاد وخارجها.
- تلقي الأطباء المتخصصين عروضا مغرية من أطراف أجنبية.
دوافع اجتماعية
- تراجع الحريات الشخصية يشكل أحد أهم أسباب الهجرة.
- البحث عن حياة أفضل في الخارج لتعويض الضغوط التي تتعرض لها الفرق الطبية.
- اليأس من تحسين ظروف المعيشة والاعتراض على أسلوب الحكم في البلاد.
التحذير الإيراني من هجرة الأطباء المتخصصين، يعيد إلى الأذهان مقولة رئيس المؤسسة الوطنية للموارد البشرية والتوظيف ميثم لطيفي، الذي حذر العام الماضي من أن المنظمات الحكومية تكاد تخلو من النخب بسبب تصاعد وتيرة الهجرة.
تقدر الأمانة العامة للمجلس الأعلى للجاليات الإيرانية بالخارج عدد المهاجرين الإيرانيين حتى مارس/آذار الماضي، بنحو 4 ملايين و37 ألف نسمة، غير أن التقارير غير الرسمية تذكر أعدادا قد تبلغ أضعاف الأرقام الرسمية.
على سبيل المثال، فقد قال الرئيس الأسبق للجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشه، إن نحو 8 ملايين إيراني قد هاجروا من البلاد.
هل نجحت خطة استعادة المهاجرين؟
في إطار الحلول الرسمية لمعالجة ظاهرة هجرة العقول، أصدر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي العام الماضي، أمرا بتأسيس مجموعة للعمل من أجل وضع حد للهجرة واستعادة الكفاءات العلمية المهاجرة إلى البلاد، بيد أن تقارير مرصد الهجرة الإيراني تشير إلى ازدياد الهجرة وعدم الرغبة بالعودة إلى البلاد.
أما علی الصعيد المهني والنقابي، فهناك من يرى أن الجمهورية الإسلامية باتت قاب قوسين أو أدنى من استقدام بعض التخصصات من الخارج، أو إرسال المرضى إلى دول أخرى في حال عدم معالجة جذور مشكلة هجرة الكفاءات الطبية.
في غضون ذلك، يحذر رئيس النظام الطبي محمد رئيس زاده من تفاقم أزمة هجرة الأطباء، ويؤكد ضرورة الحد من الظاهرة حتى لا تضطر البلاد إلى استقدام كوادر أجنبية لمواجهة العجز في الطاقم الطبي، وذلك بعد عقود من جلب طهران آخر دفعة أطباء من الهند وباكستان.
وبعد عقود من الحديث عن هجرة المهندسين وأساتذة الجامعات ورواد الأعمال والممرضين إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة، بدأت الصحافة الإيرانية الناطقة بالفارسية مؤخرا بنشر تقارير حول تزايد هجرة الشركات الناشئة والميكانيكيين وحتى الفلاحين، ومنهم مزارعو الزعفران إلى دول الجوار، إلی جانب تحذير الأوساط الاجتماعية من هجرة المزيد من الكفاءات الرياضية والفنية والأكاديمية.