بورتسودان- يعيش مئات العالقين من جنسيات مختلفة أوضاعا قاسية موزعين في الشوارع والمساجد وبعض مدارس بورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر شرقي السودان بعد أن وصلوها هربا من الحرب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
ومع تزايد هذه الأعداد تصاعدت المطالب بإنشاء معسكرات وتوفير الخدمات لهؤلاء العالقين، لكن ذلك لا يلقى حماسا لدى السلطات السودانية التي باتت تنظر للوجود الأجنبي الكثيف، كمهدد أمني ينبغي البحث عن معالجات لتسويته.
وتبدو ملامح الأزمة وأثر الحرب جلية على ملامح مئات المكدسين في الكورنيش ببورتسودان وأغلبهم من الجنسية السورية، تحت هجير شمس حارقة وفي انعدام كامل لأبسط الخدمات الأساسية حيث يكابدون للحصول على المياه والطعام كما يضطرون للمبيت في العراء.
وغير بعيد منهم على الجانب الآخر من ذات الكورنيش تفترش عشرات الأسر -بعضها من جنوب السودان ودول أفريقية- الأرض، فيما تتوزع أعداد كبيرة من حاملي الجنسيات السورية واليمنية والفلسطينية على مساجد ومدارس ونواد وصالات أفراح تم تخصيصها لإيواء هذه المجموعات التي تعذرت عمليات إجلائها لأسباب مختلفة.
ورصدت الجزيرة نت تحركات لمنظمات ومتطوعين لتوفير بعض الوجبات للعالقين، كما خصص رجل أعمال مبنى كاملا لإيواء الأسر غير القادرة على دفع الأجرة الشهرية على أن تكون الإقامة فيه لأسبوعين يمكن خلالها للأسر توفيق أوضاعها، ثم يفسح بعدها المجال لقادمين جدد دون شروط مسبقة تتعلق بالجنسية أو القدرة المالية.
إهمال ومصير مجهول
وتشكو مجموعة من السوريين العالقين إهمال السلطات في بلادهم وعدم مساعدتهم كما فعلت عديد من الدول في حل مشكلات الجوازات منتهية الصلاحية أو ترحيل الراغبين منهم في العودة إلى دمشق.
وأفادوا بأن اجتماعا عقد بين المسؤولين في السفارتين السعودية والسورية ببورتسودان لبحث إمكانية ترحيل العالقين إلى دمشق مباشرة أو خلال فترة محددة، وهو ما رفضه الغالبية لعدم رغبتهم في الرجوع إلى سوريا.
وتحدث أحد الشباب الموجودين في الكورنيش للجزيرة نت طالبا عدم ذكر اسمه لدواع أمنية أن المسؤولين في السفارة السورية بالخرطوم وصلوا بورتسودان بالفعل خلال الأيام الماضية لكنهم غادروها دون معالجة المشكلات وتركوا الآلاف لمصير مجهول، حيث لا يملك أغلب العالقين أموالا لاستئجار الشقق أو لمواجهة متطلبات الحياة اليومية، ويعانون مشكلات مركبة بعد فقدانهم مصادر دخلهم في الخرطوم.
وأضاف أن عددا من الدول رفضت التساهل في منح القادرين والراغبين في السفر تأشيرات دخول، كما يواجه آخرون مشكلات تتعلق بانتهاء صلاحية جواز السفر وبالتالي لا مفر من البقاء في الشارع.
وعمد بعض العالقين للعمل ببيع الوجبات السريعة على الكورنيش في محاولة للحصول على مصدر دخل يعينهم على المصروفات اليومية، كما افتتح آخرون مطاعم بالسوق الرئيسي والتحق غيرهم بعدد من المهن للحصول على قدر -ولو يسيرا- من المال.
ويقول رضوان وهبة، وهو من السوريين المقيمين في بورتسودان، إن عمليات الإجلاء المجانية خضعت للمحسوبية وكانت وفق قوائم أعدتها السفارة السورية عندما وصلت لبورتسودان حيث نقلت طائرتان 400 شخص فقط مجانا، وبعدها تم احتساب 450 دولارا للفرد حتى لو كان رضيعا.
ويضيف وهبة للجزيرة نت أن “عائلة واحدة دفعت 1500 دولار لتسافر عبر إحدى رحلات الإجلاء”، وتابع “حوالي 5 آلاف سوري حاليا في بورتسودان بلا مأوى ولا طعام ولا مال كاف للسفر إلى سوريا، حيث تتضافر جهود بعض الشباب السودانيين لمساعدتهم بالمياه والخيام قريبا من نادي الموانئ وفي مستشفى الموانئ بحي الخليج”.
وبحسب وهبة فإن حوالي 40 ألف سوري تمكنوا من مغادرة السودان خلال الأسابيع الماضية عن طريق المطار أو الميناء إلى دول أخرى، كما عبر حوالي 8 آلاف آخرين إلى مصر عن طريق المعابر البرية، بينما ما زالت أعداد كبيرة عالقة في المعابر، في الوقت الذي يتواجد بالخرطوم حوالي 15 إلى 20 ألفا آخرين محاصرين وليس لديهم المال للمغادرة.
أعداد متزايدة
وتبذل الحكومة المحلية مجهودات مكثفة لمعالجة أزمة العالقين من بلدان عديدة، ووفقا لمفوض العون الإنساني بولاية البحر الأحمر علي الأمين فإن السلطات خصصت 23 دار إيواء في الأيام الأولى للأزمة ارتفعت لاحقا مع تزايد أعداد الوافدين إلى 45 دارا، ثم وصلت إلى 85 مقر إيواء.
ويتحدث الأمين للجزيرة نت عن رفض عشرات الأسر من جنوب السودان وتشاد البقاء في دور الإيواء وباتوا “مهدِّدا أمنيا وهاجسا كبيرا للسلطة”، مضيفا أنهم يصرون على الوجود في الشارع قرب الكورنيش برغم توفير مقار، كما رفضوا السفر ويطالبون بإقامة معسكر خاص أو إعادة التوطين في بلد ثالث في حين أنهم بلا وثائق سفر من الأساس.
وأشار إلى أن حكومة الولاية اقترحت عليهم توفير سيارات لنقلهم إلى ود مدني بولاية الجزيرة ومنها يمكنهم الرجوع لمناطقهم لكنهم اعترضوا، لافتا إلى أنه تم في الأسبوع الأول من الحرب إيواء 16 ألفا و600 من الوافدين في مدارس ونواد وسكن داخلي بالجامعة مع توفير خدمات المياه والمواد الغذائية ومساعدات المتطوعين.
ويقول المفوض إنه مع تزايد أعداد العالقين تم إطلاق نداء لسفارات بنغلاديش، وسوريا، واليمن وبالفعل تم إجلاء 90% منهم وكان غالبهم طلاب جامعات.
ويستبعد المسؤول الحكومي الاتجاه لإقامة معسكرات لإيواء العالقين لكلفتها العالية علاوة على أنها يمكن أن تشكل مهددا أمنيا، كما أنها تنشأ في العادة لاحتواء الأسر، بينما الموجودون في بورتسودان غالبهم من الشباب من أعمار وجنسيات مختلفة.
ويشير إلى أن غالب الموجودين في بورتسودان من أصحاب الجنسيات اليمنية أو السورية عمدوا إلى نقل أسرهم وفضلوا البقاء لمعرفة مصير شركات واستثمارات تركوها خلفهم في الخرطوم بينما لا يتمكن آخرون من السفر لأسباب أمنية، لافتا للضغط الكبير الذي تخلقه هذه الأوضاع على الخدمات في الولاية.