بيروت- يبدو أن جمود ملف منصب رئاسة الجمهورية في لبنان قد تحرك بفعل الإجماع بين قوى مسيحية رئيسية ومستقلين على ترشيح الوزير السابق والمسؤول في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور إلى رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2022.
وهذه القوى تضمّ حزبي “القوات اللبنانية” برئاسة سمير جعجع و”الكتائب” برئاسة سامي الجميل، وعدد من الكتل النيابية والنواب المستقلين، بالإضافة إلى خصمهم السياسي “التيار الوطني الحرّ” برئاسة جبران باسيل.
ورغم أن باسيل يخوض معركة داخلية لإقناع جميع نواب تياره بالتصويت لأزعور، فإنه يتقاطع مع القوى المسيحية الأخرى على مواجهة ترشيح الثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” لزعيم تيار المردة سليمان فرنجية.
وحدد رئيس مجلس النواب زعيم حركة “أمل” نبيه بري موعدا جديدا لعقد جلسة انتخاب رئيس في 14 يونيو/حزيران الجاري، ويتوقع كثيرون أن يصيب حزب الله وحركة أمل حرج نتيجة شبه الإجماع المسيحي على ترشيح أزعور، مع توجّه الأنظار إلى كيفية إدارة بري للعبة السياسية في البرلمان، وعودة الرهان على الورقة البيضاء و”تطيير” النصاب.
ما قصة ترشيح أزعور؟
يعدّ جهاد أزعور (57 عاما) المولود في الضنية شمال لبنان، شخصية اقتصادية براغماتية، لم يسبق أن أعلن موقفا سياسيا حادا منذ توليه منصب وزير المالية بين 2005 و2008 في حكومة فؤاد السنيورة، كما كان مستشارا له، وقد تقلّد في مسيرته المهنية مناصب عديدة في صندوق النقد الدولي، وأعلاها حاليا الإشراف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز.
وأزعور، الذي شغل عام 1999 منصب مدير “مشروع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” بلبنان، تخصص أكاديميا في العلوم المالية والاقتصادية، وحاز على الدكتوراه في الاقتصاد من فرنسا، كما عمل باحثا بجامعة هارفارد بأميركا، وكان محاضرا في الجامعة الأميركية ببيروت.
ومما يعزز مكانة أزعور، أنه متحدر من أسرة سياسية، لكونه ابن شقيقة السياسي الراحل النائب السابق جان عبيد، الذي بقي اسمه مطروحا لعقود مرشحا توافقيا تربطه علاقة جيدة بمختلف الأطراف اللبنانية.
وجاء ترشيح أزعور بعد أسابيع من مساعي الأحزاب المسيحية للتوافق على اسمه، وبعد حركة واسعة يقوم بها البطريرك الماروني بشارة الراعي العائد من فرنسا، حيث بحث الملف الرئاسي، في ظل ما يشاع عن دعم باريس لفرنجية.
ويؤكد المحلل السياسي علي حمادة أن ترشيح أزعور يأتي في إطار البحث عن مرشح يحظى بقبول حتى عند حزب الله وحركة أمل، إذ ليس لديهما مشكلة مباشرة مع أزعور، باعتباره شخصية تقنية واقتصادية ومالية، رغم ارتباط اسمه بحكومة فؤاد السنيورة، “لكن طريقة ترشيحه جعلته تحديا استفزازيا لهما”.
ويعتقد حمادة -في حديث للجزيرة نت- أن أزعور ليس بعيدا عن ميول خاله الوسطية جان عبيد، وهو من أكثر الأسماء جدية التي تتباحث حولها قوى داخلية وخارجية.
بينما يصف المحلل السياسي إبراهيم بيرم المرشحَ للرئاسة جهاد أزعور بأنه “مرشح الفريق المعادي لحزب الله”، بعد أن فشل خيارهم في ترشيح النائب ميشال معوض، فاستطاعوا ضم فريق باسيل إليهم دعما لأزعور ضد فرنجية، رافضا وضع أزعور في خانة “المرشح التوافقي”، لكونه “الشريك الأساسي بوضع سياسات لبنان المالية.
ويعتبر بيرم أن هدفهم تدمير سبل وصول فرنجية للرئاسة، وفرض أمر واقع عنوانه: القوى المسيحية ترفض وصول مرشح حزب الله.
ويرى المحلل السياسي داود رمال أن ترشيح أزعور رغم عدم الاتفاق على برنامجه وشكل التسوية وهوية رئيس الحكومة المكلف وشكل الحكومة والبيان الوزاري والإصلاحات المطلوبة؛ يأتي كمحاولة لحرق ترشيح سليمان فرنجية، ثم الوصول إلى مرشح ثالث.
الدلالات المسيحية
يرى محللون أن طبيعة المعركة الرئاسية التي فرضها ترشيح أزعور، أخذت منحى صراع الإرادتين المسيحية والشيعية. ويستذكر آخرون الصراع الذي شهده لبنان عقب اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وخروج جيش النظام السوري وعودة ميشال عون من المنفى الفرنسي في 2005، حين كان حزب الله لا يحظى بغطاء من أي طرف سياسي.
وهنا، يقول علي حمادة إن الاجماع المسيحي على أزعور مرده رفض الاستسلام لقوة الثنائي الشيعي بفرض رئيس لا يتناغم مع المزاج المسيحي العام، ويعتقد أن ترشيح أزعور أوصل حزب الله والتيار الوطني إلى مفترق طرق، لأن باسيل أجهض معركة ترشيح فرنجية، بتوفير نواة صلبة مسيحية ضده.
كما يقول داود رمال إن احتمال الافتراق بين باسيل وحزب الله بلغ ذروته، “لأن الحزب لم يتوقع أن يصل باسيل بمواجهته إلى التحالف مع خصومهم ضده، مما يضع ورقة مار مخايل في ثلاجة الانتظار”، في إشارة إلى توقيع زعيم التيار الوطني الحر ميشال عون في فبراير/شباط 2006 على مذكرة تفاهم مع الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله في كنيسة مار مخايل.
تحرك إقليمي
ويعتبر إبراهيم بيرم أن فرنسا حتى الآن تناور دعما لترشيح فرنجية، رغم أن واشنطن لن تسهل وصوله، فيما كل من إيران والدول الخليجية يمارسون سياسة النأي بالنفس، برأيه.
أما علي حمادة، فيعتبر أن تحرك القوى الإقليمية يعتمد على صلابة الموقف المسيحي، وهو ما يعني أن الشغور قد يستمر لأشهر، معتبرا أن السؤال الجوهري: ماذا سيفعل فرنجية وسط الفيتو المسيحي ضده؟ وهل سيقبل أن يكون هو مشكلة البلد كما حصل أثناء دعم حزب الله لانتخاب عون بعد عامين ونصف من الفراغ في 2016؟
ويرجح حمادة أن تميل الدول العربية، كما واشنطن، لشخصية ذات طابع اقتصادي ومالي كأزعور، وأن تبدأ العمل على تسوية لا غالب فيها ولا مغلوب.
من جانبه، يقول داود رمال إن القوى الإقليمية ليست بموقع المسهل ولا المعطل، ولو أرادت التدخل بقوة فستكون قادرة على تأمين نصاب الثلثين لانتخاب الرئيس الذي تريد.
جلسة مجلس النواب
ومن المتوقع أن تشهد جلسة مجلس النواب اللبناني الثانية عشرة -التي دعا بري إليها- معركة سياسية بين الكتل، لأن انتخاب رئيس من الدورة الأولى يستوجب حصوله على ثلثي أصوات أعضاء البرلمان المؤلف من 128 نائبا، وبالدورة الثانية على النصف زائدا واحدا (65 صوتا) شرط حضور ثلثي النواب لاكتمال النصاب الدستوري للجلسة.
ولأن أيًّا من أزعور وفرنجية لا يحظى بثلثي الأصوات، يتوقع حمادة أن يذهب الثنائي لتعطيل النصاب بالانسحاب في الدورة الثانية، وقال “لن ينكسر حزب الله بسهولة أمام القوى المسيحية بينما يعتبر نفسه ناظم الحياة السياسية”.
ويتوقع إبراهيم بيرم أن تعود لعبة الورقة البيضاء، ويفيد بمعطيات عن توجه الثنائي للتصويت بورقة بيضاء، وأن ينضم إليهما الحزب التقدمي الاشتراكي ونواب سنة موالون لحزب الله، ويرى أن “الشغور هو الفائز في المعركة، لأن لا أحد يملك الأكثرية”.
ويرجح داود رمال أن يخوض حزب الله معركة إسقاط أزعور، رغم استحاله وصول فرنجية للرئاسة، ويقول “إذا شعر الثنائي أن أزعور يستطيع بالدورة الثانية الحصول على صوتا 65 صوتا، فسيعمدان لتطيير النصاب”.