برلين- “زلزال سياسي في برلين وصدمة بعد حصول (البديل) على أرقام قياسية”، “هذه النتائج يجب أن تكون إنذارا لجميع الأحزاب الديمقراطية”، “(البديل) يعود من جديد”.
بهذه العناوين تناولت الصحف والمجلات الألمانية، المحافظة والصفراء وحتى المحسوبة على اليسار الليبرالي، نتائج الاستطلاع الأخير، والذي منح الحزب اليميني الشعبوي (البديل) 18% من أصوات الناخبين الألمان وساواه مع الاشتراكي الديمقراطي حزب المستشار الحالي أولاف شولتز.
جاء السؤال الرئيسي في استطلاع الرأي الذي أشرفت عليه القناة التلفزيونية الألمانية الأولى “إيه آر دي” (ARD) على الشكل التالي: أي الأحزاب ستنتخب لو أجريت الأحد المقبل انتخابات برلمانية؟
أجاب 18% باختيار حزب (البديل) وذلك بالتساوي مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، فيما حصل حزب الخضر الشريك الأصغر في الائتلاف الحكومي على 15%، ونظيره الليبرالي على 7%، والنسبة الأكبر 29% لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ، فيما حصلت على النسبة المتبقية أحزاب صغيرة أخرى.
وفتحت هذه النتائج شهية معاهد استطلاعات الرأي التي واظبت مؤخرا على إجراء استطلاعات جديدة، جاءت بنفس الأرقام الصادمة تقريبا، حتى أن معهد إنسا (INSA) أعطى (البديل) 19% وهوى بالخضر والليبراليين إلى 13%.
وفور إعلان نتائج الاستطلاع هذه بدأت رحلة البحث عن الأسباب، فمن جانبه كرر المستشار الألماني أولاف شولتز عبارة سبق له وأن قالها عام 2016 عندما كان عمدة لمدينة هامبورغ، وهي أن حزب “المزاج السيئ” (يقصد حزب البديل) يستفيد من الأوقات المضطربة التي تمر بها أوروبا، وذلك في معرض تعليقه على هذه النتائج في فعالية نظمتها أسبوعية (دي تسايت) في مسقط رأسه بمدينة هامبورغ.
أما الاتحاد المسيحي الديمقراطي المحافظ -المتهم بخطاب أقرب إلى أقصى اليمين- فقد بادر رئيسه فريدريش ميرتس بالقول “ليست لنا علاقة بحزب (البديل)”، في تصريح أقرب إلى الدفاع عن النفس، في وقت يبدو فيه أن الخضر والليبراليين لم يستوعبوا الصدمة حتى اليوم.
البحث عن الأسباب
أظهرت تفاصيل الاستطلاع أن 67% ممن اختاروا حزب (البديل) فضلوه على غيره ليس بسبب الاقتناع ببرنامجه الانتخابي، بل لأنهم محبطون من أداء الأحزاب الأخرى، فيما تُحسب النسبة المتبقية على الناخبين التقليديين المصنفين كيمينيين متطرفين أو يمينيين شعبويين.
وهذا ما ذهب إليه هايو فونكه ـالبروفيسور المحاضر في شؤون اليمين الشعبوي والمتطرف بجامعة برلين الحرةـ في حديث مع الجزيرة نت.
ووضع فونكه 3 أسباب لهذه النتائج قائلا إن “إحباط وخيبة أمل المواطنين من سياسة الائتلاف الحكومي، والخلافات بين أطرافه الثلاثة التي تخرج بين الحين إلى العلن كانت سببا في تراجع منسوب المصداقية اللازمة في سياسة الائتلاف المكون من الاشتراكين الديمقراطيين والخضر والليبراليين”.
وأضاف أن الأزمات التي تتصدرها الحرب في أوكرانيا، وأيضا الأزمة الاقتصادية الناجمة عن غلاء الأسعار وارتفاع نسبة التضخم تعد السبب الثاني لهذا التطور.
وأكد أن عدم قدرة الأحزاب الديمقراطية على انتقاد التصعيد المستمر للحرب الأوكرانية، ووضع حلول سياسية لها، في وقت يجهر فيه حزب (البديل) بمعارضته لهذه الحرب وبضرورة التوصل لحل سياسي لها يعد السبب الثالث لارتفاع شعبية الحزب اليميني.
ويأتي ذلك -بحسب فونكه- في وقت تؤيد فيه غالبية ألمانية تكثيف الجهود الدبلوماسية من أجل الحيلولة دون المزيد من التصعيد في أوكرانيا.
وشدد المتحدث على أن التفوق الذي تظهره استطلاعات الرأي لهذا الحزب سيبقى مستمرا، إلا إذا تمكنت الأحزاب الديمقراطية من تقديم حلول شافية للأسباب الثلاثة المذكورة.
ووفق آخر استطلاع للرأي أجراه المعهد المختص (إنفراتيست ديماب) فإن 34% من المواطنين في ألمانيا “غير راضين بتاتا” عن أداء حكومة أولاف شولتز ثلاثية الأطراف، فيما قال 45% أنهم “أقل رضاء” عن هذه الحكومة، و19% فقط عبروا عن رضاهم عن سياسة الحكومة الألمانية الحالية.
الخوف والكراهية كإستراتيجية انتخابية
ولأن الحزب الاشتراكي الديمقراطي أكثر الأحزاب الألمانية تضررا من عودة الحزب اليميني الشعبوي بقوة إلى الساحة السياسية، يسعى هذا الحزب، بحسب نائبته في البرلمان (بوندستاغ) آنيكا كلوزه، إلى بلورة إستراتيجية تضمن خروجه من أزمته.
وقالت كلوزه، في حديث مع الجزيرة نت، إن هذه الإستراتيجية تقوم قبل كل شيء على “محاولة أطراف الائتلاف الحكومي بلورة سياسة موحدة إزاء القضايا التي تتصدر هموم المواطن الألماني”.
وعما إذا كانت النائبة تتفق مع الرأي القائل إن (البديل) نجح لأن الآخرين ليست لديهم إستراتيجية واضحة، قالت كلوزه إن ذلك ليس صحيحا، مؤكدة أن اليمينيين الشعبويين يحققون النجاحات “فقط عندما يتمكنون من إشاعة الخوف والكراهية من خلال استغلال الأزمات وتحويلها إلى مادة انتخابية”.
وأضافت أن هذا بالذات ما يحدث في الوقت الراهن، مشيرة إلى حالة الارتباك التي تعاني منها ألمانيا بسبب ما وصفته بـ”العدوان الروسي” على أوكرانيا وتبعاته لا سيما أزمة الطاقة وغلاء الأسعار والتضخم.
القلب النابض لحزب (البديل)
يجمع المراقبون على أن حزب (البديل) عاش طفرتين، الأولى أثناء ما يسمى بأزمة اللجوء في خريف 2015، عندما قررت رئيسة الحكومة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل فتح الحدود أمام مئات آلاف اللاجئين، والثانية بدأت بوادرها تظهر مع اندلاع الأزمات الحالية التي تعتبر إشكالية اللجوء واحدة من نتائجها.
فالحزب يواصل وضع قضية اللجوء في أعلى سلم أولوياته، في الوقت الذي وصلت فيه البلديات والمدن الألمانية إلى حدود طاقتها القصوى بخصوص استيعاب الأعداد الكبيرة من اللاجئين الجدد، وتعجز فيه الحكومات الأوروبية عن الاتفاق على سياسة هجرة أوروبية موحدة.
الموظف المنشق عن حزب (البديل) كرِستيان هيرش الذي ألف، تحت اسم مستعار، كتاب (الاستيلاء على السلطة)، يعرف أفضل من غيره إستراتيجية الحزب القائمة بشكل أساسي على استغلال فشل الحكومة الألمانية في التوصل لحل لموجات اللجوء إلى أوروبا.
هيرش يقول في حديثه للجزيرة نت، إن (البديل) أو كما يسميه “حزب الغاضبين، يتلقف سخط الناس ويوظفه في تعزيز مكانته الاجتماعية”، مضيفا أن أحد أسباب النجاحات التي يحققها الحزب هي “سياسة الهجرة والاندماج الفاشلة” للحكومة الألمانية وللاتحاد الأوروبي.
وأضاف أن الحزب “ما زال يركب منذ عام 2015 موجة اللجوء التي تحولت مع الوقت إلى جوهر لهويته”.
وعن مدى خطورة هذا الحزب على المهاجرين في حال استولى على السلطة، قال هيرش إن هذا الحزب “يشكل خطورة على جميع من لا يشاطره الرأي سواء تعلق الأمر بالمهاجرين أو بغيرهم”، مؤكدا أن مسؤولين كثيرين في الحزب لا يجهرون بعدائهم للأجانب إلا خلف الأبواب المغلقة، ولكن حزب (البديل) سواء جهر بذلك أم لا، يبقى حزبا مناهضا للهجرة واللجوء.
وفي هذه الأجواء المشحونة واتساع الفجوة “بيننا نحن في الأسفل” و”بينهم في الأعلى” بحسب تعتبر يستخدم لوصف ناخبي حزب البديل “الغاضبين” من النخب السياسية، تستعد ألمانيا في هذا العام لانتخابات محلية في الولاية المؤثرة “بافاريا” التي قد تمثل نتائجها ضربة قاسية للأحزاب الديمقراطية.
وذلك في وقت يشارك فيه الحزب في برلمانات 14 ولاية اتحادية من بين 16 ولاية، ويعد العدة للانتخابات البرلمانية في عام 2025.