الخرطوم – رغم انهيار 11 هدنة سابقة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، دعت الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية إلى اتفاق جديد لوقف إطلاق نار، وتنفيذه بشكلٍ فعال، بهدف بناء وقف دائم للعمليات العسكرية المستمرة منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي.
وقالت وزارة الخارجية السعودية -في بيان، اليوم الأحد- إن كلا من المملكة والولايات المتحدة الراعيتين للمفاوضات بين الجانبين، حريصتان على استمرار المباحثات بين ممثلي القوتين العسكريتين، والتي تركزت سابقا على ضرورة تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والتوصل إلى اتفاق حول الخطوات التي ينبغي على الطرفين اتخاذها قبل استئناف المحادثات.
كما أشارت إلى أن وفدي الجيش والدعم السريع موجودان في جدة، رغم تعليق محادثات جدة منذ مطلع يونيو/حزيران الجاري، بسبب “الانتهاكات الجسيمة” المتكررة لوقف إطلاق النار من قبل الطرفين على السواء.
الجزيرة نت تحاول الإجابة عن تساؤلات بشأن الجديد الذي يمكن أن يحمله اتفاق الهدنة المحتمل، وما ينتظره طرفا الصراع من الاتفاق وهل يصمد؟
ما مصير الهدن السابقة منذ بدء الاشتباكات المسلحة؟
منذ اندلاع القتال الدامي، شهدت البلاد 11 هدنة خُرقت جميعها، وسط تصاعد في أعداد القتلى وتدهور الأوضاع الإنسانية.
ويعتقد مراقبون أن طرفي النزاع كانا يعتقدان حسم المعاركة خلال أيام، وبعد استمرار الحرب يسعى كل طرف إلى تحسين موقفه على الأرض لتغيير المعادلة، وبالتالي فرض شروطه في أي مفاوضات.
ويرى قادة في الجيش أن المؤسسة العسكرية استطاعت كسر ظهر القوة الصلبة في الدعم السريع، وأن أي توقف للعملية العسكرية يتيح للطرف الآخر التقاط أنفاسه وإعادة تنظيم صفوفه، بينما تعمل قوات الدعم السريع على إحراج الجيش عبر جره إلى المواجهة وإطالة أمد الحرب، وإحراجه دوليا.
لماذا علق الوسيطان الأميركي والسعودي مفاوضات جدة؟
تقول مصادر أفريقية مراقبة لمفاوضات جدة إن الرياض وواشنطن أغضبهما تعليق الوفد الحكومي مشاركته في المفاوضات، احتجاجا على عدم التزام الدعم السريع بشروط الهدنة، وخصوصا عدم الخروج من المستشفيات ومنازل المواطنين ومرافق المياه والكهرباء، والاستمرار في مهاجمة مواقع عسكرية.
الأمر الذي اعتبره الوسطاء استخفافا وعدم احترام لجهودهما، ومحاولة جرهما للوقوف مع مطالب طرف ضد الآخر، وعززت واشنطن موقفها بفرض عقوبات اقتصادية على 4 شركات مرتبطة بالجيش والدعم السريع.
ما الجديد الذي دفع الوسطاء إلى الدعوة لاستئناف المفاوضات ووقف جديد لإطلاق النار؟
رأت المصادر الأفريقية التي تحدثت للجزيرة نت أن تعليق الوسطاء للمفاوضات كان محاولة للضغط على الجيش والدعم السريع، وأن العقوبات الأميركية لم تأت متزامنة مع التعليق صدفة، وإنما كان أمرا مقصودا، وكذلك عدم تسمية المسؤولين من الطرفين المشمولين بتقييد منحهم تأشيرات، حتى تكون هناك خطوات ضغط متدرجة.
ورجحت أن يكون عدم مغادرة وفدي التفاوض جدة بطلب من السعودية، لأنه من الطبيعي مغادرة الوفدين بعد تعليق المفاوضات إلى أجل غير مسمى.
وترى المصادر الأفريقية أن ما عجل بإنعاش مفاوضات جدة، هو تحرك الاتحاد الأفريقي لتنسيق جهود وقف الحرب، وسعيه لبلورة مبادرة جديدة، بجانب التواصل بين القيادتين القطرية والمصرية للتنسيق بشأن الأزمة السودانية.
هل يرغب الجيش في هدنة جديدة وما مطالبه؟
مستشار عسكري قريب من الخلية التي تدير الأزمة، أبدى أسفه لتجاهل الوسطاء ملفين قدمهما قبل تعليق المفاوضات، وقال إنهما كانا –في حال مناقشتها بطريقة جادة- سيضعان الطرف الآخر على المحك، الملف الأول يشمل 90 من الخروقات الموثقة للهدنة ارتكبتها قوات الدعم السريع، والآخر يتضمن آلية لتنفيذ متطلبات الهدنة.
ويقول المستشار العسكري في حديث مع الجزيرة نت، إنهم جادون في الهدنة ولذا أبقوا على وفدهم في جدة، لكنهم لن يقبلوا بوضعهم في كفة واحدة مع متمردي الدعم السريع، الذين لم يستطيعوا السيطرة على قواتهم التي لم تسمع بالهدنة، بعد اختفاء قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ونائبه عبد الرحيم دقلو، منذ أكثر من 3 أسابيع.
وأضاف أن الالتزام بالهدنة رهن باحترام الطرف الآخر لها، ولن يقف الجيش مكتوف الأيدي أمام خروقاتهم وتعديهم على المواقع المدنية والعسكرية، ولن يسمح لهم باستغلالها لتكون فرصة للتمدد وتحقيق مكاسب على الأرض.
هل يلتزم قادة الدعم السريع بالهدنة الجديدة؟
مسؤول في إعلام قوات الدعم السريع، يرى أن المشكلة في عدم التزام الجيش وليس في قواتهم، ويقول للجزيرة نت إن الجيش ظل منذ بداية الهدن السابقة يقصف مواقعهم، وإنهم كانوا يدافعون عن أنفسهم وسمحوا بعمل فرق صيانة مرافق الكهرباء والمياه، وحمايتهم وتمرير مساعدات إنسانية للمتضررين.
ويوضح أنهم طلبوا مراقبين لوقف إطلاق النار على الأرض لرصد الانتهاكات، بدلا من الرقابة عبر الأقمار الصناعية والأجهزة التقنية، لكن الجيش لم يتحمس لذلك، مما يشير إلى “عدم جديته في احترام الهدنة وعدم رغبته في الالتزام بها، بسبب وجود أكثر من مركز قرار داخل قيادته”.
ما الاتفاق الجديد لوقف إطلاق النار وما ضمانات صموده؟
يقول الخبير العسكري موسى عبد الهادي إن الاتفاق الجديد سيَلحق بالهدن السابقة التي لم تؤد إلى توقف المواجهات العسكرية، لأن الجيش يعتقد أنه اقترب من حسم المعركة لصالحه وسيوقع أي اتفاق لتجنب الضغوط الدولية، لكنه سيستمر في عمليات نوعية عبر القوات الخاصة وقوات المهام الخاصة لإجبار قوات الدعم السريع على التقهقر والانهيار، لكن من دون إثارة الوسطاء، ومع تقليل الخسائر في أوساط المدنيين.
ويوضح عبد الهادي في تصريح للجزيرة نت أن قوات الدعم السريع استنزفتها الحرب، ولم تستطع تعويض ما فقدته، بعدما استطاع الجيش قطع الإمداد القتالي من الأسلحة والمقاتلين عنها، خاصة مع طول خطوط الإمداد التي تم ضربها، ولكنها تستخدم بعض الأساليب لإطالة أمد الحرب حتى تضمن استمرارها ضمن المعادلة السياسية في أي منبر تفاوضي، لذا لن تتوقف عن القتال.
هل يستطيع الوسطاء فرض متطلبات هدنة حقيقية؟
يعتقد الأكاديمي والمحلل السياسي هاشم عبد الله، أن بيان الوسطاء عن وقف جديد للنار يشير إلى أنهم لمسوا روحا جديدة من الجيش والدعم السريع، وأن ثمة اهتماما أكبر من المجتمع الدولي بالأزمة السودانية، وحرصا على وقف الحرب بسبب آثارها الإنسانية والأمنية على الشعب السوداني ودول المنطقة.
ويلفت عبد الله -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أن الاتفاق المتوقع للهدنة الجديدة، ينتظر أن تكون له آليات فاعلة لمراقبته وإلزام الطرفين به، متوقعا ألا يؤدي إلى وقف كامل لإطلاق النار بسبب طبيعة قوات الدعم السريع التي تعتمد على الحركة السريعة والمناورة والالتفاف، لكنه سيكون أفضل من الهدن السابقة بسبب العصا المرفوعة في وجه الطرفين.