استؤنفت عمليات بيع الأسهم والسندات، فيما واصل الدولار تراجعه بعد أكبر هبوط له خلال 3 أعوام، في ظل تفاقم الحرب التجارية العالمية التي تضعف شهية المستثمرين للمخاطر، والتي تعاني أصلا من الضعف.
يتجه مؤشر أسهم آسيا لتسجيل ثالث أسبوع من الانخفاض، إذ تحول الارتياح في الأسواق إلى قلق بعد أن أوضحت إدارة البيت الأبيض أن الرسوم أمريكا الجمركية على الصين ارتفعت إلى 145%، كما استؤنفت عمليات بيع سندات الخزانة الأمريكية التي بدأت في وقت سابق من الأسبوع، وتراجعت العقود الآجلة لمؤشر “إس أند بي 500” بنحو 1%.
في إشارة إلى أن المستثمرين يبحثون عن ملاذات آمنة وخيارات بديلة غير الدولار، ارتفع اليورو بنسبة وصلت إلى 1.6%، وارتفعت قيمة الين، فيما سجل الذهب مستوى قياسيا جديدا، جاء هذا التراجع الحاد بعد يوم واحد فقط من ترحيب الأسواق المالية بقرار الرئيس دونالد ترمب تأجيل بعض الرسوم الجمركية الواسعة التي كان قد أعلنها.
عمليات البيع تعكس شكوكا متزايدة حيال المحادثات المخططة مع شركاء التجارة لأمريكا، بجانب مخاوف تصاعد التوترات مع الصين، ويبدو أن التجارة التي كانت تعرف سابقا بـ “أمريكا أولا” – أي الاستثمار في الأصول التي تربح عندما تتفوق أمريكا على بقية دول العالم – بدأت في الانعكاس، وسط مخاوف من أن أكبر زيادة في الرسوم الجمركية منذ قرن قد تدفع أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود.
ضرب ثقة المستثمرين
المحللة الاستراتيجية في “كومنولث بنك أوف أستراليا” كارول كونغ قالت “تغييرات موقف ترمب المتكررة بشأن الرسوم الجمركية تقوض ثقة المستثمرين في الحكومة والاقتصاد الأمريكي”، مضيفة “عمليات بيع الأسهم والسندات والدولار، تشير إلى أن المشاركين في السوق يعيدون توزيع محافظهم الاستثمارية بعيدا عن الأصول المقومة بالدولار”.
ضعف الدولار امتد إلى جلسات التداول الآسيوية اليوم الجمعة، بعد أن أغلق مؤشر بلومبرغ للدولار منخفضا 1.5% في ختام تداولات أمس الخميس في نيويورك، ووصلت قيمة العلاوة المدفوعة للتحوط ضد تراجع الدولار مقابل سلة من العملات المنافسة الأسبوع المقبل إلى أعلى مستوى لها منذ مارس 2020، مقارنة بالعقود التي تراهن على مكاسب.
عملات الأسواق الناشئة
حتى عملات الأسواق الناشئة مثل الوون الكوري والبات التايلاندي ارتفعت مقابل الدولار. وارتفع مؤشر عملات الأسواق الناشئة 0.6%، متجها نحو تسجيل أفضل أداء يومي له منذ أغسطس، ودفعت مكاسب العملة اليابانية إلى 143 ينا مقابل الدولار يوم الجمعة، وهو مستوى لم تسجله منذ أكتوبر، كما لامس الفرنك أعلى مستوى له منذ عقد.
ناثان ثوفت من “مانولايف لإدارة الاستثمارات” قال “ما زلنا نعتقد أن القلق المرتبط بالرسوم الجمركية لا يزال قائما، والطريق إلى الأمام سيشهد على الأرجح المزيد من التقلبات في الأسواق، لأننا لم نصل إلى نهاية لهذه الأزمة، بل على العكس، يبدو أن مفاوضات الرسوم الجمركية ستطول”.
تراجعت الأسهم في الصين وهونغ كونغ يوم الجمعة بعد أن كانت قد ارتفعت في الجلسة السابقة بدعم من توقعات بأن الحكومة ستُعلن عن مزيد من إجراءات التحفيز الاقتصادي. وكان من المقرر أن يجتمع كبار قادة البلاد في بكين لمناقشة تلك الإجراءات.
أنباء الاتفاق مع الصين
يبدو أن الأنباء عن رفع الرسوم الجمركية على السلع الصينية قد طغت على مؤشرات صادرة عن ترمب تُفيد بأن أمريكا قريبة من التوصل إلى اتفاق أولي بشأن الرسوم، دون أن يسمي الدولة المعنية.
نيكولا أودان من “غافيكال ريسيرش” قال “تطورت سياسة أمريكا من حرب تجارية شاملة ضد الجميع، إلى حرب تجارية مركزة ضد الصين، ويعتقد معظم المستثمرين أن الصين أضرت بنفسها عندما قررت الرد، أما في بكين فالرؤية مختلفة، إذ يرى كثيرون هناك أن تراجع ترمب يعد دليلا على ضعف أمريكي، بالتالي يعتبر مبررا لقرار الصين بالتصعيد”.
من غير المرجح استجابة الصين لتوقعات البعض في وول ستريت بإجراء تخفيضات في قيمة اليوان مقابل الدولار، بل يتوقع أن تختار بكين إضعاف عملتها بشكل محدود ومدروس بحسب فون ميرين كبير محللي “بنك دانسكي”، وارتفع سعر الصرف المرجعي اليومي لليوان اليوم الجمعة بعد 6 جلسات متتالية من الانخفاض، مدعوما بتراجع الدولار.
وفي أسواق السندات، ارتفع العائد على سندات الخزانة الأميركية لأجل عشر سنوات بما يصل إلى 6 نقاط أساس، ليُضيف إلى ارتفاع سابق بمقدار 9 نقاط يوم الخميس، وسط استمرار المستثمرين في بيع حيازاتهم من الديون. كما ارتفعت عوائد السندات الأسترالية والنيوزيلندية يوم الجمعة.
تداعيات الرسوم على الشركات
بدأ الخلاف المتصاعد بشأن الرسوم الجمركية بالفعل في التأثير على الشركات، فقد أوقفت شركة “أودي” عمليات تسليم سياراتها إلى أمريكا، كما دفعَت الرسوم الجمركية التي جاءت أعلى من المتوقع شركة “نينتندو” اليابانية إلى تأجيل الطلبات المسبقة لجهاز الألعاب المرتقب “سويتش 2”.
من النظارات الشمسية من نوع “راي بان” إلى الشعر المستعار، قد يواجه المشترون في أمريكا زيادات مفاجئة في الأسعار، أما شركة التجزئة “فايف بيلو”، فقد طلبت من مورديها رفض شحن المنتجات التي لا تزال في الصين ولم تُشحن بعد إلى أمريكا.