منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن ما سمّاه “يوم التحرير” في 2 أبريل/نيسان الجاري، والمتمثّل في فرض رسوم جمركية كبيرة على عشرات الشركاء التجاريين، بدأت عملة بتكوين تتحرك تزامنا مع الأسهم الأميركية، في مشهد غير معتاد يشير إلى تطورات تتجاوز المخاوف التجارية المباشرة، وصولاً إلى التشكيك في استقرار الدولار الأميركي ذاته.
وفي تحليل نشره الكاتب آرون براون في وكالة بلومبيرغ، أشار إلى أن حركة السوق مرّت بثلاث مراحل رئيسية منذ الإعلان عن الرسوم.
- في البداية، كان الخوف من فوضى في الأسواق والتجارة العالمية يدفع المستثمرين نحو الأصول الرقمية مثل بتكوين، بينما تراجعت الأسهم.
- ثم، مع تزايد المخاوف من ركود عالمي محتمل، انخفضت أسعار بتكوين انخفاضا حادا، رغم ثبات الأسهم.
- وأخيرًا، بعد تراجع ترامب الجزئي عن التصعيد الجمركي في 9 أبريل/نيسان الحالي، عادت بتكوين والأسهم إلى الارتفاع تزامنا، ما يعكس ضعف الثقة في قيمة الدولار نفسه.
ترابط غير معتاد بين بتكوين والأسهم
وبيّنت بيانات بلومبيرغ وكوين ماركت كاب، أن بتكوين ومؤشر ستاندرد آند بورز 500، قد تحركا منذ منتصف الأسبوع الماضي بنمط متشابه لافت، ما يشير إلى أن المستثمرين يقيمون الأصول المالية المختلفة من زاوية واحدة: القلق بشأن الدولار.
وكتب براون: “عندما تراجَع ترامب، يبدو أن المستثمرين – في الأسهم والعملات المشفرة – قرروا أن الدولار أصبح أقل قيمة، فارتفعت الأصول المقومة بهما معًا”.
ويضيف: “هذه ليست مسألة مؤشر أسعار المستهلك أو سعر صرف الدولار مقابل العملات الأخرى، بل شعور المستثمرين تجاه الاحتفاظ بالدولار مقارنة بالأصول الأخرى مثل الأسهم وبتكوين”.
الخطر الأكبر.. فقدان الثقة في الدولار
ويرى الكاتب أن الرسوم الجمركية تشكّل عاملًا يحدّ من قيمة النقود مقارنة بالأصول الملموسة. فالأميركيون يشترون أقل بدولاراتهم، والأجانب أيضًا يتأثرون بالرسوم المقابلة. كما أن التدخلات التي تعرقل حرية الأسواق تقلّل من جاذبية الدولار كعملة احتياط عالمية.
وفي هذا السياق، يشير التقرير إلى أن ارتفاعًا بنصف نقطة مئوية في عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات منذ بداية أبريل/نيسان، يعكس تراجع الطلب الأجنبي على الأصول الأميركية.
وهذا يؤدي في الأمد البعيد إلى تحوّل داخلي في تمويل الحكومة، على حساب الاستثمارات الخاصة.

بتكوين مرآة الهشاشة الاقتصادية
ورغم أن بتكوين تُعتبر في كثير من الأحيان ملاذًا للمستثمرين في أوقات الأزمات، فإن مخاطر الركود العالمي تجعلها عرضة لتقلبات شديدة.
ففي المرحلة الثانية من الأزمة، انخفضت بتكوين انخفاضا كبيرا رغم ثبات الأسواق، ما يعكس هشاشة الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الجائحة، خاصة مع رفع أسعار الفائدة وتوقعات الركود.
بحسب الكاتب: “لم يكن الخوف من أن الرسوم الجمركية ستسبب ركودًا بذاتها، بل إنها قد تكون كافية لدفع الاقتصاد الهش إلى الركود، وتعميقه”.
ماذا بعد؟
ويرى براون أن الدراما الجمركية قد تستمر أشهرا، إن لم تكن طوال ولاية ترامب الثانية. فالتأجيل الحالي خفف من احتمالات الركود أو الصدامات الدولية الكبرى، لكنه لم يعالج الأسباب الجذرية.
ويحذر الكاتب من أن الأسواق قد تتفاعل بسرعة أكبر وبسلبية أشد في المرات القادمة، مع تحوّل التركيز من الاقتصاد إلى السياسة.
وقال: “لماذا يقلق المستثمرون من آثار اقتصادية بعيدة الأمد، في حين أن السياسات نفسها قد تتغير أو تُلغى في اليوم التالي؟”.
ويشير الكاتب إلى أن التقلب السياسي، لا الاقتصادي، قد يكون المحرّك الرئيسي لتقلبات الأسواق في المرحلة المقبلة، ما لم يغيّر ترامب من أسلوبه في إدارة الملفات المالية والتجارية.