أثبتت اقتصادات دول الخليج مرونة أمام الصدمات الخارجية مثل الصراعات الإقليمية وخفض إنتاج النفط خلال الفترة الماضية، وفق تقرير كتبه محللون لدى صندوق النقد الدولي توقعوا أداء إيجابيا للمنطقة في المدى القريب وسط مخاطر متوازنة.
“تداعيات توترات البحر الأحمر على اقتصادات الخليج محدودة حتى الآن، إذ لم تتأثر تدفقات التجارة والاستثمار والسياحة إلى حد كبير”، وفق التقرير الذي أعده أمين ماتي، رئيس بعثة الصندوق إلى السعودية ورئيس قسم دول الخليج، وكين مياجيما كبير الاقتصاديين في القسم.
تعافي صادرات الموانئ
أشار محللو الصندوق إلى تعافي حجم الصادرات اليومي من الموانئ الرئيسية بالمنطقة وإن كان لا يزال عند الحد الأدنى لمستوياته التاريخية، إذ تكيفت بعض الدول سريعاً مع اضطرابات الملاحة مثل الكويت بفضل مرونة شبكة الملاحة والتخزين لديها.
“المؤشرات عالية التكرار تشير إلى تعاف سريع في تدفقات المحافظ على المنطقة مدعومة بزخم الإصلاحات القوي بعد هبوطها في الربع الأخير من 2023، في حين ظلت السياحة الوافدة قوية رغم الصراع في غزة مع بلوغ عدد الزوار مستويات قياسية في بعض الدول مثل قطر والسعودية”.
وتشكل السياحة ركيزة أساسية لجهود تنويع الاقتصاد في المملكة التي اتخذت إجراءات مثل تسهيل التأشيرات وزيادة الفعاليات الترفيهية لدعم القطاع، كما رفعت مستهدفها للقطاع السياحي إلى 150 مليون زيارة سنوياً بنهاية العقد الحالي بعدما حققت الهدف السابق البالغ 100 مليون زيارة قبل 7 سنوات من موعده ضمن “رؤية 2030”.
قال محللو الصندوق إن إحراز تقدم في إصلاحات مثل تحسين مناخ الأعمال ورأس المال البشري والتحول الرقمي ساهم في دعم جهود دول الخليج لتنويع الاقتصاد، مشددين على ضرورة تكثيف تلك الإصلاحات لتحقيق رؤى الحكومات إلى جانب استمرار مساعي التكامل التجاري والمالي كأولوية لتحقيق الاستفادة الكاملة من الإصلاحات.
نظرة إيجابية
يتوقع التقرير نموا حقيقيا لاقتصاد منطقة الخليج بصفة عامة 3.5 % العام المقبل تسارعاً من نمو تقديري عند 1.4 % في العام الحالي وأن يبلغ النمو الحقيقي 4.6% في السعودية و5.1% في الإمارات خلال 2025، وهو ما يتماشى مع توقعات الصندوق في أكتوبر الماضي.
وقال التقرير إن الأنشطة غير النفطية القوية دعمت النمو في دول الخليج بصفة عامة بفضل قوة الإنفاق على المشروعات وتنفيذ الإصلاحات الرامية لدعم جهود التنويع الاقتصادي، في الوقت الذي ساهم فيه عدم وجود روابط تجارية أو مالية تذكر للمنطقة مع غزة أو إسرائيل في الحد من تأثير الصراع.
وأضاف أن من المتوقع أن يستمد القطاع الهيدروكربوني الدعم على المدى القريب من زيادة إنتاج النفط المتوقعة خلال الربع الثاني من 2025 والتوسع في إنتاج الغاز الطبيعي، في حين سيستفيد النشاط الاقتصادي المحلي في المدى المتوسط من القطاع غير النفطي الذي سيواصل النمو.
كان “تحالف أوبك+” قرر مطلع الشهر الجاري تأجيل الإلغاء التدريجي لخفض إنتاج النفط حتى أبريل من العام المقبل بعدما كان من المقرر أن تبدأ في يناير.
من المتوقع أن يبلغ النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي 4.4 % في السعودية و 4.5 % في الإمارات في العام المقبل بعد نمو تقديري عند 3.7 % و 5.3 % للبلدين على التوالي خلال العام الحالي، وفقا للتقرير.
أشار المحللون إلى استقرار معدلات التضخم التي تراجعت بحوالي النصف في 2023 لما دون 2 % عند نفس المستويات بدعم من السياسات النقدية والمالية. وأضافوا أن تعزيز التضافر مع صندوق النقد الدولي من شأنه أن يتكامل مع جهود دول الخليج لتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي ومرونته.
مخاطر متوازنة
اقتصادات منطقة الخليج تواجه مخاطر متوازنة في المدى القريب، وفقاً للتقرير الذي أشار لعوامل إيجابية منها زيادة إنتاج النفط بمعدل أكبر من المتوقع على خلفية إلغاء تحالف “أوبك+” لخفض الإنتاج بوتيرة أسرع، وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وتسارع تنفيذ المشروعات الاستثمارية والإصلاحات الهيكلية، وسرعة تيسير السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة.
لكن التقرير أشار أيضاً إلى عوامل سلبية على آفاق المنطقة منها تأثر الصادرات النفطية وغيرها بتباطؤ اقتصادي عالمي، لا سيما في الصين، واستمرار أسعار الفائدة المرتفعة لفترة أطول مما سيقيد النمو وربما يؤثر على الماليات العامة والاستقرار المالي.
“كما أن النشاط الزائد في المشروعات الكبرى قد يؤدي لعودة التضخم في حين أن الصراع في غزة، لو استمر لفترة ممتدة أو اتسع نطاقه، قد يؤثر على المنطقة من خلال تقلب أسعار المواد الهيدروكربونية وتقليل الصادرات وتراجع السياحة والاستثمار ورفع تكلفة التمويل الخارجي”، بحسب التقرير.