قبل الثاني من ديسمبر/كانون الأول المقبل، يتوقع أن يفتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية في مصر، لتبدأ بعد ذلك حملة انتخابية تستمر نحو 3 أشهر. وذلك تطبيقا للمادة 241 (مكرر) من الدستور التي تنص على إجراء الانتخابات قبل 120 يوما من انتهاء الفترة الرئاسية، والتي كانت بدأت في 2 أبريل/نيسان 2018.
هذا المقال يستعرض أهم المحطات الإجرائية التي تتصل بتنظيم تلك الانتخابات، والتي تحمل في طياتها أمورًا تتصل مباشرة بنزاهة العملية، ونحن في ذلك نتوقف لتقييم الإجراءات المنصوص عليها، أو تلك التي غفلت عنها مما تقتضيه المعايير الدولية لنزاهة الانتخابات حسب المواثيق الدولية. هذه الإجراءات، وإن تطورت إيجابًا منذ أول انتخابات رئاسية تعددية عام 2005، إلا أنها لا تزال تحتاج المزيد لضمان المنافسة العادلة وإزالة العقبات أمام المرشح والناخب لتحقيق الاختيار الحر.
وسنتوقف فيما يلي عند 4 محطات.
أولا: إدارة العملية الانتخابية
هناك نوعان من الإشراف على الانتخابات؛ الأول “رسمي” تمثله “الهيئة الوطنية للانتخاب” التي تشكلت عام 2017 لتخلف “لجنة انتخابات الرئاسة” التي تأسست عام 2005 وأشرفت على آخر انتخابات لها عام 2014.
والهيئة الوطنية للانتخابات، حسب نص القانون رقم 198 لسنة 2017 هي “هيئة مستقلة” مهمتها إدارة كل عمليات الانتخاب والاستفتاء، وهي تتألف من قضاة بعضهم من جهات قضائية كالقضاء الإداري أو القضاء العادي، ومن هيئات قضائية كالنيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة.
ونلاحظ هنا أن مصطلح “الهيئات القضائية” استحدث في آخر تعديل للدستور، وقد دخل حديثًا على القضاء المصري، ولا تعتبر مثل هذه الهيئات -وفق العرف القضائي في النظم السياسية المختلفة- ضمن السلطة القضائية، لأنها في الأصل “تخضع” للسلطة التنفيذية. لذلك فإن وصفها بـ “مستقلة” أمر محل خلاف بحكم تبعية أركانها ومكوناتها.
وتشرف الهيئة الوطنية رسميًا على العملية الانتخابية من الألف إلى الياء، وتتهمها بعض الجهات المستقلة بأنها تقوم بإشراف “صوري” بسبب عدم تطبيقها أية عقوبات على المتجاوزين. وقد استعانت هذه الهيئة منذ تأسيسها عام 2017 بآلاف القضاة للإشراف على عمليتي الاقتراع وفرز الأصوات في الاستحقاقات الانتخابية التي جرت منذ ذلك الحين (انتخابات 2018 الرئاسية، الاستفتاء على الدستور 2019، الانتخابات البرلمانية 2020)، وذلك بمبدأ “قاض على كل صندوق”، وهو ما يتوقع أن يستمر في انتخابات 2024 الرئاسية بعد تعديل تشريعي مرتقب. ورغم ما يقدمه هذا المبدأ من ضمانة جيدة، إلا أن كثيرين يأخذون عليه أنه يضمن النزاهة داخل مقرات الاقتراع وليس خارجها.
أما النوع الثاني من الإشراف فهو “غير رسمي”، يتمثل في رقابة وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني المصرية والأجنبية على العملية الانتخابية. وهنا سيكون الأمر قاصرا في الانتخابات القادمة (كسابقتها) على متابعة الانتخابات من قبل تلك الجهات، وليس الرقابة الدقيقة عليها. لكن من حق تلك الجهات أن تصدر التقارير، وتعد التوصيات الخاصة بالملاحظات والمشاهدات.
“الهيئات القضائية” مصطلح استحدث في آخر تعديل للدستور، وأُدخل على القضاء المصري، وهي لا تعتبر -وفق العرف القضائي في النظم السياسية المختلفة- ضمن السلطة القضائية، لأنها “تخضع” للسلطة التنفيذية
ثانيا: مدة الانتخاب والحملة الانتخابية
ينتظر أن تعلن أساليب فنية مختلفة للاقتراع الرئاسي المزمع 2023/2024، وسيتضمن ذلك تحديد عدد أيام العملية الانتخابية منذ فتح باب الترشيح حتى إعلان النتيجة مرورا بالحملة الانتخابية، وتوضح كذلك آليات الرقابة على مجرياتها.
ونلاحظ هنا أنه في انتخابات 2012، التي توصف بأنها واحدة من أنزه عمليات الاقتراع التي شهدتها البلاد، استمرت العملية الانتخابية 105 أيام. وفي انتخابات 2014 استمر 88 يوما بمتنافسين اثنين فحسب. وفي انتخابات 2018 استمرت 113 يوما بمتنافسين كان أحدهما مؤيدا للمرشح المنافس!!!
أما الحملة الانتخابية عام 2012 (جرت على جولتين) فقد استمرت 36 يومًا، وفي 2014 حددت بـ 33 يومًا، وعام 2018 حددت بـ 37 يومًا، لكنها تقلصت على أرض الواقع في ذلكما الاستحقاقين الأخيرين إلى 21 و28 يومًا على التوالي، بسبب حسم المعركة من الجولة الأولى.
لكن ما ميز الحملات الثلاث السابقة، بمختلف مرشحيها، أنها كانت باستثناء بندي التعرض لحرمة الحياة الخاصة والالتزام بمحافظة المرشحين على الوحدة الوطنية للبلاد، قد خرقت كل محظورات الدعاية والحملات الانتخابية، سواء باستغلال المؤسسات الدينية والمدارس، أو غياب الحياد والنزاهة عن الإعلام المملوك للدولة، أو استخدام مؤسسات الدولة الرسمية في الدعاية لبعض المرشحين، أو إنفاق الأموال العامة في الدعاية الانتخابية، وذلك كله وفقًا لتقارير الجهات المحايدة التي راقبت تلك الاستحقاقات الانتخابية.
ثالثا: الترشح
سيكون الترشح في الانتخابات القادمة، كما في انتخابات 2018، محكوما بالقانون رقم 22 لسنة 2014 بشأن تنظيم الانتخابات الرئاسية، والقانون رقم 198 لسنة 2017 المعدل بالقانون رقم 140 لسنة 2020 المتعلق بتشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات، وذلك على عكس انتخابات 2012 التي حكمها القانون رقم 175 لسنة 2005.
وسيكون المرشحون خاضعين، كما في الاستحقاقين الانتخابيين الأخيرين، لشروط أن يكون المرشح مصريا من أبوين مصريين، وألا يكون قد حمل أو أي من والديه أو زوجته جنسية أخرى، وحاصلا على مؤهل عال، ومتمتعا بحقوقه المدنية والسياسية، وأدى الخدمة العسكرية أو أعفي منها قانونًا، وألا يكون حكم عليه في جناية مخلة بالشرف ولو رد له اعتباره، وألا تقلّ سنه عن 40 عامًا، ويكون سليما صحيًا.
ومن الشروط الحالية أن يُزكي المرشح 20 من أعضاء مجلس النواب، دون تحديد ما إذا كانوا من المنتخبين أم المعينين، وذلك على خلاف ما جرى في انتخابات 2012 التي اشترطت تزكية 30 من النواب المنتخبين.
وتقتضي الشروط الحالية كذلك أن يؤيد المرشح ما لا يقل عن 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب فى 15 محافظة على الأقل وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة منها، فيما كان الشرط ينص على تأييد 30 ألف مواطن في انتخابات 2012.
وكان الإعلان الدستوري الذي نظمت في ضوئه انتخابات 2012 قد وضع خيارا ثالثا مهما، لم يعد معمولا به حاليا، إذ كان من حق كل حزب له نائب واحد على الأقل في أي من غرفتي البرلمان التقدم بمرشح للرئاسة، وهو الخيار الذي منح تلك الانتخابات مزيدا من التعددية.
وعلى أية حال، فإن الاختبار الأهم في عملية الترشيح القادمة سيكون في مدى التعامل بموضوعية مع إجراءات تزكية المرشحين، ولا سيما من المواطنين العاديين.
رابعا: الاقتراع
تفاصيل تنظيم يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية القادمة لم تعلن بعد، لكن الاقتراع جرى -للناخبين داخل مصر- على مدار يومين في انتخابات 2012 و2014، وعلى مدار 3 أيام عام 2018.
أما للناخبين في خارج مصر، فقد أجري الاقتراع على مدار 7 أيام في انتخابات 2012، وعلى مدار 4 أيام 2014، وعلى مدار 3 أيام في انتخابات 2018.
ويبدو أن التباين في عدد أيام الاقتراع في تلك الانتخابات ارتبط بتوقع زخم المشاركة التصويتية في انتخابات الداخل بانتخابات عامي 2012 و2014، أي بعد الأحداث الجسام التي شهدتها البلاد في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وفي 30 يونيو/حزيران 2013، أما انتخابات الخارج فقد حكم مدة التصويت فيها الإجراءات الثبوتية المختلفة في كل انتخاب، بغية نزاهة العملية الانتخابية.
وهنا من المهم الإشارة ليس إلى يوم الاقتراع في حد ذاته، بل إلى ضرورة تهيئة المناخ لتوعية الناخب بكل ما يدور من حوله، ليتمكن من الاختيار الصحيح، فأحد أهم معايير نزاهة الانتخابات هو ارتفاع نسبة التصويت التي تدل على شعور الناخب بأهمية صوته، وتجعل التكهن الدقيق بشخص الفائز أمرا مستحيلا قبل اكتمال أعمال الفرز.
هذه التوعية الموجهة للناخب هي الإجراء السليم الذي يفترض أن تقوم به الهيئة الوطنية للانتخاب كما نص قانونها (بند 15 مادة 3)، وأهم خطوات ذلك أن تدعو لفتح المجال العام، فيكون من حق الناخب الاطلاع على المواقع الإلكترونية دون “حجب”، وله الحق في إعلام حر يطرح كافة وجهات النظر أمامه، وله الحق في التعبير عن رأيه في مواقع التواصل الاجتماعي في حدود ما كفله الدستور، وأن تشرف على وقوف كافة الجهات (وخاصة الرسمية) على مسافة واحدة من جميع المترشحين، ويتطلب ذلك أيضا إطلاق سراح سجناء الرأي، لدعم ثقة الناخب في الانتخابات ليقبل على التصويت، وهو ما نادى به مرارًا مجلس أمناء الحوار الوطني.
هكذا نتوقع ونأمل أن يكون مسار العملية الانتخابية، التي بدأت عجلتها في الدوران منذ عدة أسابيع، ونحن على بعد أشهر قليلة من فتح باب الترشح، وأهميتها تتوقف على جدية تطبيق القواعد على الأرض، وإظهار حسن النوايا.