تمر في تاريخ الأمم لحظات فارقة تمثل نقاطا مفصلية بين حقبة وأخرى، ومن بين أهم هذه الأحداث المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/ تموز 2016، التي وإن مرت ساعاتها عصيبة طويلة، فقد تحولت على يد شعبنا الباسل وقيادته إلى انطلاقة جديدة يمثلها اليوم شعار “قرن تركيا”، الذي تخطو معه البلاد بثبات لتحقيق رفاه مواطنيها وأخذ مكانها العالمي كقوة سياسية واقتصادية وعسكرية.
في تلك الليلة العصيبة تم دفن مشروع استهداف الدولة التركية، وانتصرت إرادة الشعب على مؤامرة تنظيم “فيتو” ” FETÖ” الإرهابي بزعامة فتح الله غولن الهارب في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة منذ أكثر من 20 سنة، وفشلت محاولة اختطاف استقلالنا ومستقبلنا لتحقيق أهداف مشينة، ورغبة آثمة في الوصول غير الشرعي للسلطة.
في مثل هذا اليوم قبل 7 سنوات، جرت محاولة انقلابية فاشلة، نفذتها منظمة غولن الإرهابية التي اخترقت بعض الوحدات العسكرية، بمعزل عن قيادة المؤسسة العسكرية التركية المهنية والرصينة، لم تستمر المحاولة غير ساعات محدودة، إذ سرعان ما استعادت مؤسسات الدولة زمام المبادرة، وطاردت فلول الانقلابيين، والتف الشعب خلف قيادته المنتخبة برئاسة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان.
لقد فتح هؤلاء الإرهابيون النار على أبناء الشعب الذي أقسموا اليمين لحفظ أرواحه، وصيانة مصالحه، إن هذا أكثر ما يؤلم صدورنا ونحن نتذكر هذا اليوم العصيب، الذي ذهب ضحيته 251 مواطنا تركيا من العسكريين والمدنيين الذين وقفوا في وجه المتمردين، كما جرح أكثر من ألفي مواطن.
وإزاء تلك الأحداث الدامية والمؤسفة، أظهر الشعب التركي وطنية وتمسكا فائقا بالوحدة، والتف حول الراية الحمراء التي تظل الجميع، وكان من مكاسب هذه الوحدة، أن اختار الشعب عبر استفتاء 2017 العبور للمستقبل بنظام رئاسي جديد، وبدأت تركيا تحقق الإنجازات في حماية ترابها وسمائها، واستقلال قرارها السياسي، الذي تعزز بالكلمة الفصل في صناديق الانتخابات الأخيرة، بعد أن نال بها الرئيس رجب طيب أردوغان ثقة الشعب التركي مجددا ليقود مسيرته في المئوية التركية الجديدة.
لأن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك، فقد تعلمنا من الانقلاب الفاشل كيف نعتمد على أنفسنا لسد احتياجاتنا الدفاعية والتقنية
ولأن البعض حين يفشل في صناديق الانتخابات، يحمل صناديق الذخيرة، ويفرغها في صدور شعبه، سعى الانقلابيون إلى تركيع تركيا مجددا تحت حكم عسكري استبدادي، وكانت خططهم ترمي إلى رهن هيبة أنقرة ومقدرات الدولة لقوى دولية تعادي دولتنا، لكن الشعب التركي له ذاكرة عصية على الترويض، فالأمس مازال ماثلا، وجرائم الحكم العسكري في القرن الماضي تركت بصماتها على ذاكرة خزان بشري هائل من الأتراك ما بين معتقل وشهيد ومطارد ومفصول من العمل.
لا يدرك بعض من يريد بتركيا شراً أن الشعب التركي ذكي وفطن، وكما فوّت الفرصة على الانقلابيين ليلة 15 يوليو/ تموز، فقد حرم الذين تحالفوا مع التنظيمات الإرهابية من التحكم في مصير شعبنا، وبعد انتخابات تنافسية نزيهة، تشكلت الحكومة التركية الجديدة برئاسة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وباشرت عملها على الفور لاستكمال مشروع “قرن تركيا” الذي أطلقه الرئيس بالتزامن مع احتفال بلادنا بالذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية على يدي الغازي مصطفى كمال أتاتورك.
ولأن الضربات التي لا تقصم ظهرك تقويك، فقد تعلمنا من الانقلاب الفاشل كيف نعتمد على أنفسنا لسد احتياجاتنا الدفاعية والتقنية.
وعلى سبيل المثال في مجال الدفاع، عززت الصناعات الدفاعية قدرة الجيش وقوات الأمن التركية بعدد من الأسلحة والمعدات المحلية، وتم إجراء تجارب الطيران الناجحة لمقاتلتنا الحربية الوطنية “كان” (KAAN)، التي ستدخل الخدمة في السنوات القادمة لتعزز من صقور قواتنا الجوية، كما انطلقت في سمائنا “كيزل ألما” (KIZIL ELMA) أول مسيرة نفاثة محلية الصنع، لتلحق قريبا بالمسيرات التي دخلت الخدمة فعليا في جيشنا “آقينجي” (AKINCI) و”آق صونغور” (AKSUNGUR)، كما دخلت إلى الخدمة أكبر قطعة حربية في أسطول قواتنا البحرية “تي سي جي أناضولو” (TCG Anadolu) كأول حاملة طائرات تركية مصنوعة محليا بتكنولوجيا فائقة التطور، وتنامت الصناعات العسكرية لتأمين احتياجات البلاد، مع التوسع الكبير في مجال التصدير.
تفخر تركيا بأنها أحد المصنعين القلائل للطائرات غير المأهولة في العالم، وقد أبرمنا عقودًا مع عشرات الدول لشراء مسيراتنا المتطورة، ولا سيما وأنها أثبتت كفاءتها في ميدان القتال، وحازت ثقة عدد من الدول الصديقة مثل قطر وأذربيجان وأوكرانيا وبولندا.
وقد عززنا قرارنا الوطني بفرض السيادة على مياهنا الاقتصادية، وها هي سفن الاستكشاف البحري تمسح مياهنا الاقتصادية بحثا عن مكامن الطاقة، وإليها يرجع الفضل في توصيل الغاز الطبيعي المستكشف في البحر الأسود إلى بيوتنا ومصانعنا ابتداء من 20 أبريل/ نيسان الماضي.
سجّلت قطر في تلك الليلة موقفا أخويا تاريخيا لا يُنسى، إذ كان سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول المتصلين بأخيه الرئيس رجب طيب أردوغان، للتعبير عن المساندة المطلقة للحكومة الشرعية والوقوف مع الشعب التركي
لم تكن خطة الانقلاب محض صناعة محلية فقط، وإن كانت هذه المنظمة الإرهابية واجهة الانقلاب، فالمؤكد أنها نفذت محاولتها استجابة لمؤامرة واسعة شاركت فيها أطراف إقليمية ودولية، خَصّصت لها المليارات، وسخرت لها وسائل الإعلام، ورتبت لها الترحيب والاعتراف فور الإعلان عن نجاحها، لكن وقفة الشعب التركي البطولية في تلك الليلة أجهضت هذه المؤامرة في ساعات قليلة، وإن مرت كأنها شهور ثقيلة.
إن تركيا لا يمكن أن تقبل من شركائها في حلف شمال الأطلسي ولا من الدول الديمقراطية توفير الدعم للمنظمات الإرهابية، التي أطلقت الرصاص على شعبنا في 15 يوليو/تموز، ولا تزال تهاجم الأراضي التركية، وتشهر السلاح في وجه مؤسسات الدولة التركية العسكرية والأمنية.
ونحن اليوم يسعدنا أن نشارك شعبنا التركي إحياء هذه الذكرى المجيدة من أرض قطر الطيبة، التي سجّلت في تلك الليلة موقفا أخويا تاريخيا لا يُنسى، إذ كان سمو أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول المتصلين بأخيه فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، للتعبير عن المساندة القطرية المطلقة للحكومة الشرعية والوقوف مع الشعب التركي لإحباط كل مؤامرة تمس أمنه وحقوقه وسلامة مؤسساته.
وكلنا ثقة أنه كما نجحت تركيا في الانتصار على الخونة والانقلابيين، وتمكنت من تجاوز كل هذه الصعاب والتحديات، سوف تنجح في تجاوز الموجة الحالية من التضخم والتقلبات الاقتصادية التي تعاني منها دول العالم، فالحكومة التركية حريصة على وضع التدابير التي تحفظ للمواطن التركي حياه كريمة مستقرة. فالهدف الأساسي للدولة هو التحرر من التبعية الاقتصادية ودعم الاستثمار والإنتاج، وصولا إلى تحقيق النمو والرفاه الدائمين للشعب التركي العظيم.
إننا نؤمن بأن مسيرة الحرية والاستقلال التي بدأت في 15 يوليو/تموز 2016 سوف تستمر بفضل الإيمان والتضحية وعزيمة الشعب، كما أن ثقتنا لا تتزعزع في أن تركيا سوف تنطلق نحو حقبة تنموية جديدة على كافة المستويات تحقق تطلعات شعبنا وتؤسس لنهضته الشاملة.