ميسي الذي رفع كأس العالم قبل شهور في الدوحة، واختار القدوم إلى ولاية فلوريدا بعد منافسة سعودية إسبانية على ضمه، يمثل اختياره أميركا ليختم حياته الكروية بها تحديا له ولمستقبل شعبية اللعبة في الولايات المتحدة.
يكرر هنري كيسنجر أنه يفهم في شيئين، الإستراتيجية الدولية وكرة القدم. أدرك كيسنجر وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأسبق، والذي احتفل بعيد ميلاده المئوي في شهر مايو/أيار الماضي، أهمية الرياضة في العلاقات الدولية مبكرا وسعى لوضع بلاده على خريطة كرة القدم العالمية.
وبسبب أصوله الألمانية، عشق كيسنجر الكرة منذ طفولته، وانزعج مبكرا -منذ وصوله قبل الحرب العالمية الثانية لاجئا للولايات المتحدة- من أن الشعب الأميركي لا يطلق على رياضة “كرة القدم” كرة القدم (Football) كما تسمى في سائر أنحاء العالم، بل هي سوكر (Soccer).
ولا تتمتع كرة القدم بنفس ما تتمتع به رياضيات أخرى مثل كرة السلة وكرة القدم الأميركية أو البيسبول، من شعبية. ومن هنا قرر كيسنجر القيام بكل ما يستطيع لرفع شعبية اللعبة في أميركا.
سجل مارادونا الهدف الأول بيده دون أن يلاحظ الحكم ذلك، ثم سجل هدفه الاستثنائي في مرمى إنجلترا، وهو الهدف الذي اعتبره الفيفا كأعظم هدف في تاريخ كأس العالم حين استلم مارادونا الكرة في نصف ملعبه، وجرى بالكرة ولمسها 11 مرة مرورا بأكثر من نصف الملعب مراوغا 5 لاعبين إنجليزيين، قبل أن يخدع الحارس بيتر شيلتون ويضع الكرة داخل المرمى
حضر كيسنجر عدة مباريات تاريخية منها نهائي كأس العالم أعوام 1970 و1994. وكان كيسنجر يُسبب الكثير من التوتر لمساعديه بسبب رغبته في تنظيم جدول مواعيده بحيث لا تتعارض مشاهدته لمباريات كأس العالم مع جدول مقابلاته والتزاماته المهنية قدر المستطاع.
بعد اعتزال بيليه لعب الكرة مع منتخب بلاده البرازيل بعد الفوز التاريخي على إيطاليا في نهائي كأس العالم 1970 وتخطيه الثلاثين من العمر، انهالت عروض الاحتراف على الجوهرة السوداء من أندية في إسبانيا وإيطاليا، إلا أنه رغب في الاستمرار مع فريقه البرازيلي المفضل سانتوس.
فى بداية عام 1974، سافر كيسنجر إلى ساو باولو وطلب أن يقابل بيليه للحديث سويا في أحد المقاهي، وخلال اللقاء أقنع كيسنجر بيليه بأهمية القدوم والاحتراف في نادى كوزموس نيويورك، وقال إن هذه الخطوة المبدئية تعني تغيير خريطة الكرة العالمية وغرس بذرتها في الولايات المتحدة.
أبرز كيسنجر دور بيليه المتوقع في إخراج كرة القدم من المدارس الثانوية الأميركية لتكون إحدى الرياضات المهمة في الجامعات، وتأسيس دوري للمحترفين. وقال كيسنجر “اسمع، أنت تعرفني كسياسي، لكنى كعاشق لكرة القدم أريد مساعدتك في الترويج لكرة القدم بالولايات المتحدة”. ووافق بيليه على الفكرة معتقدا أنه سيمضي عاما واحدا هناك، إلا أنه لعب لفريق كوزموس لـ3 أعوام بصحبة نجوم الكرة العالمية آنذاك مثل فرانز بيكنباور، ويوهان كرويف.
توقع كيسنجر أن يكون وجود هؤلاء اللاعبين كافيا لتغيير شكل كرة القدم داخل أميركا، وهو ما لم يكن، وفشلت المحاولة الأولى. عاد كيسنجر لكرة القدم متزعما جهود الولايات المتحدة للحصول على حق استضافة كأس العالم عام 1994، ونجحت بلاده في مسعاها لأسباب كثيرة، منها شبكة علاقات كيسنجر الواسعة، رغم حداثة عهد أميركا بكرة القدم.
بعد نجاح معجزة كرة القدم مارادونا في الفوز بكأس العالم عام 1986، وخسارته المباراة النهائية عام 1990، أصبح مارادونا هدفا لكيسنجر كي يستخدمه لتطوير كرة القدم داخل الولايات المتحدة، ورفع شعبيتها قبل استضافة مونديال 1994. وسبّب جهل أغلبية الشعب الأميركي بنجوم الكرة حول العالم في تلك الفترة مثل باجيو الإيطالي، أو هاجي الروماني أو فالديراما الكولومبي، قلقا كبيرا لكيسنجر.
غير أن الأغلبية تعرفت على مارادونا أثناء وعقب مونديال 1986 بسبب هدفيه في إنجلترا، سجل مارادونا الهدف الأول بيده دون أن يلاحظ الحكم ذلك، ثم سجل هدفه الاستثنائي في مرمى إنجلترا، وهو الهدف الذي اعتبره الفيفا كأعظم هدف في تاريخ كأس العالم حين استلم مارادونا الكرة في نصف ملعبه، وجرى بها ولمسها 11 مرة مرورا بأكثر من نصف الملعب مراوغا 5 لاعبين إنجليزيين، قبل أن يخدع الحارس بيتر شيلتون ويضع الكرة داخل المرمى.
لكن لم تنجح جهود كيسنجر في جذب مارادونا للعب بالولايات المتحدة قبل المونديال، وقرر الانتظار لما بعد انتهاء البطولة، إلا أن مارادونا كان له رأى آخر، إذ خضع مارادونا لاختبار المنشطات، حيث ثبُت تعاطيه منشطات محظورة، وتم إيقافه من الفيفا، ثم عاد مارادونا لبلاده الأرجنتين ليختتم مسيرته الكروية هناك كلاعب مع فريق بوكا جونيور حتى عام 1997.
هكذا فشلت أحلام كيسنجر في جذب مارادونا للدوري الأميركي الصاعد قبل استضافة بلاده لكأس العالم عام 1994 أو بعدها.
مع فوز الولايات المتحدة بتنظيم مونديال 2026، بمشاركة محدودة مع المكسيك وكندا، وهي البطولة الأولى التي تضم 48 فريقا عوضا عن 32، يعمل اتحاد الكرة الأميركي كل ما في وسعه من أجل إنجاح البطولة داخل الولايات المتحدة، ونشر اللعبة ورفع شعبيتها في مختلف الولايات.
من هنا يمثل ضم فريق إنتر ميامي لأيقونة الكرة العالمية، ليونيل ميسي، خبرا مثيرا لكيسنجر، إذ إنها فرصة أخرى نادرة لتغيير خريطة اللعبة داخل أميركا. وميسي، الذي فاز بالكرة الذهبية كأفضل لاعب في العالم 7 مرات، ورفع كأس العالم قبل شهور في الدوحة بعد نهائي مثير ضد فرنسا لم تحسمه إلا ضربات الجزاء، اختار القدوم إلى ولاية فلوريدا بعد منافسة سعودية إسبانية على ضمه. ويمثل اختيار ميسي أميركا ليختم حياته الكروية بها تحديا له ولمستقبل شعبية اللعبة في الولايات المتحدة.
لا نعرف ما إذا كان كيسنجر سيحيا ليشارك في افتتاح مونديال 2026، ولكننا سنعرف بالتأكيد هل سينجح ميسي في ترجمة أحلام كيسنجر الكروية إلى واقع في مجتمع لا يعرف الحب الجامح لكرة القدم مثل مختلف دول العالم، مقابل غرام وإدمان شعبي غير مبرر لرياضات، لا شعبية ضخمة لها خارج الحدود الأميركية.