يغالب إبراهيم وشقيقه الزحام في فرح ابن عمهما الشعبي كي يصلا إليه ليوقع لهما على ورقة تتعلق بالميراث، يصر العريس على أن يغني إبراهيم أغنية فيرتجل بعض الكلمات التي تشعل مواقع التواصل الاجتماعي ويجد نفسه نجما رغما أنفه.
يغالب إبراهيم أضواء الشهرة وإغراءاتها من أجل العودة مع أفراد أسرته إلى بيتهم الواقع في منطقة نائية لجؤوا إليها بسبب مشكلة تعرضت لها زوجته الطبيبة، فيلاحقه المعجبون ويتعرض لمواقف مربكة، قبل أن تنقلب حياته وحياة أسرته رأسا على عقب في فيلم “بيت الروبي” للمخرج المصري بيتر ميمي، إنتاج عام 2023.
بدأ عرض الفيلم في دور السينما التركية هذا الشهر في مشهد جديد وغريب على الساحة الثقافية والفنية التركية، فهو أول فيلم عربي يعرض جماهيريا هناك منذ عام 1948، أي منذ أكثر من 7 عقود كاملة، وفي هذا بعض الدلالات السياسية وكثير من الدلالات الثقافية كما سنبين في هذا المقال قبل أن نتعرض لمستوى الفيلم الفني.
آن الأوان لأن يتعرف المشاهد التركي عن قرب على الثقافة والتاريخ العربيين عبر شاشة السينما في بلاده من خلال هذه الأفلام العربية المترجمة في ظل عهد جديد للأفلام العربية في السينما التركية
الدلالات السياسية والثقافية
من الناحية السياسية، فهذه الخطوة تشي بوضوح أن التقارب بين أنقرة والقاهرة يمضي على قدم وساق، وقد بلغ قطار التطبيع بين البلدين محطة التطبيع الثقافي والفني.
إن فيلم “بيت الروبي” ليس مجرد فيلم كوميدي عادي، بل هو من إخراج بيتر ميمي مخرج مسلسل “الاختيار” بأجزائه الثلاثة، والذي حمل رواية السلطة للأحداث السياسية والعنيفة التي مرت بها مصر خلال السنوات العشر الماضية.
كما أن منتج الفيلم هو تامر مرسي الرئيس السابق للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تستحوذ على معظم الإنتاج الدرامي والإعلامي والسينمائي في مصر تقريبا ومحسوبة على المخابرات العامة.
لم يثر الفيلم أي قضايا ذات أبعاد سياسية، لكنه يشير بوضوح إلى رغبة الجانبين في تطوير العلاقات في كافة الملفات، خاصة تلك التي لا تثير قضايا خلافية عميقة بين البلدين.
ولهذا يمكن أن ننظر لعرض الفيلم من زاوية أخرى، وهو حضور الشركة الرئيسية في مصر والمدعومة من الدولة في قاعات السينما التركية، وهي خطوة تمهد ربما لخطوات أخرى على الصعيدين الفني والسينمائي، ففي حال نجاح التجربة على مستوى الإيرادات والحضور الجماهيري لن نستغرب أن نجد أفلاما مصرية أخرى تعرض في تركيا.
وبعيدا عن الجانب السياسي، فإن وجود اللغة العربية في دور السينما التركية ليس أمرا عاديا، وذلك لأن تركيا تعتز بلغتها أيما اعتزاز، ورغم التقارب العربي التركي الذي مضى عليه سنوات عديدة الآن فإن دور السينما والدولة التزمت بالقرار الصادر عام 1948 بمنع الأفلام العربية من دخول السوق التركي.
وتنحصر الأفلام المعروضة في دور السينما التركية على الأفلام التركية أو الإنجليزية ذات ترجمة مكتوبة للأفلام المخصصة للكبار، أما الأفلام الإنجليزية المخصصة للأطفال فهي مدبلجة للغة التركية.
وليس سرا أن هناك مناكفات واستقطابا مجتمعيا تركيا بين من لا يرى بأسا من حضور اللغة العربية في الفضاء العام -سواء على مستوى يافطات المحلات أو التعليم- وبين من يعارض هذا لأسباب قومية أو عنصرية ولا يرى بأسا في الوقت نفسه من حضور اللغة الإنجليزية، وبالتالي فإن عرض فيلم باللغة العربية في عدة مدن تركية -بما فيها العاصمة أنقرة ومدينة إسطنبول- هو خطوة ثقافية مهمة لصالح حضور اللغة العربية في المجال العام.
كنت قد دعوت العام الماضي في هذه الزاوية إلى أن تستثمر شركات التوزيع السينمائي التركية في الأفلام العربية مستفيدة من الحضور العربي الكثيف في البلاد على صعيد السياحة والمقيمين، وهذا أمر مفيد اقتصاديا للأتراك ولا شك، ولكنه أيضا يبني جسورا بين الشعوب العربية والشعب التركي تساهم في تعزيز التفاهم بينهم، كما أن التشابه بين المزاج التركي والمزاج العربي في الدراما والموسيقى كبير ويصل إلى حد التطابق، وهو الأمر الذي جعل المسلسلات التركية تلقى هذا الرواج لدى المشاهدين العرب خلال السنوات الماضية.
المستوى الفني
أما على مستوى الفيلم الفني فلم يخاطر الفيلم بطرح أي قضايا أو موضوعات جديدة واكتفى بالرهان التقليدي على 3 عناصر أساسية من أجل تحقيق أقصى نجاح جماهيري ممكن، العنصر الأول هو تقديم نجمين جماهيريين وليس نجما واحدا وهما كريم عبد العزيز وكريم محمود عبد العزيز، وكان بوسع كل منهما أن ينفرد ببطولة الفيلم بسهولة، لكن يبدو أن رغبة المنتج في عدم المخاطرة كانت أقوى من أي حسابات أخرى.
أما العنصر الثاني فكان الرهان على الكوميديا التي يتطلع إليها المشاهد العربي وتميز الأفلام المصرية عن غيرها من بقية الأفلام العربية وتضمن مشاهدة عربية متعددة الجنسيات.
والرهان الثالث كان على دخول مناطق اهتمام الشباب، وهي مسألة نجوم وسائل التواصل الاجتماعي وهاجس الشهرة والتعبير عن الذات الذي يعتري الأجيال الجديدة، وبهذا قدم الفيلم خلطة يصعب أن تفشل جماهيريا وتحقق الحد الأدنى المطلوب من الحضور إلى قاعات السينما.
من الملاحظ أيضا أن الفيلم اكتسى طابعا عائليا على صعيد القصة التي تدور عن أسرة إبراهيم الروبي الصغيرة والأسرة الممتدة وهي عائلة الروبي مثل أسرة شقيقه وابن عمهما.
كما خلا الفيلم من مشاهد العري أو ما تسمى المشاهد الجريئة، وهو ما ضمن له أن يكون مناسبا للأسر والعائلات وصغار السن رغم أن تصنيفه بحسب اللوائح والقواعد المنظمة هو لمن هم فوق 13 سنة.
لقد كان الخطاب الدرامي التركي للمشاهد العربي يسير في طريق ذي اتجاه واحد خلال السنوات الماضية تعرّف وتأثر فيها المشاهد العربي بالثقافة والتاريخ التركيين اللذين يحملان كثيرا من التقاطعات مع الثقافة والتاريخ العربيين.
وقد آن الأوان لأن يتعرف المشاهد التركي عن قرب على الثقافة والتاريخ العربيين عبر شاشة السينما في بلاده من خلال هذه الأفلام العربية المترجمة في ظل عهد جديد للأفلام العربية في السينما التركية.