تبلغ نسبة المسلمين في الصين ما يقرب من 2% (30 مليون نسمة) من إجمالي السكان البالغ 1.4 مليار نسمة، وتبلغ نسبة مسلمي الهند ما يقرب من 18% (200 مليون نسمة) من إجمالي سكانها الذي تخطي 1.4 مليار نسمة.
ويعاني المسلمون في كلتا الدولتين من سياسات عنصرية وتمييزية سلبية واضطهاد في صورة مختلفة تقوم بها الحكومات المركزية في بكين ونيودلهي.
واتخذت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن موقفين متناقضين من الهند والصين تجاه معاملتهما لمسلميهما، فيما تعتبره الإدارة خدمة لمصالح واشنطن الإستراتيجية. إلا أن هذه المواقف تعري وتكشف انتقائية واشنطن في تبني مبادئ الحريات وحقوق الإنسان في سياساتها الخارجية.
فقبل أيام، تلقى رئيس الوزراء الهندي معاملة استثنائية خلال زيارته لواشنطن، وعلى شرف ناريندرا مودي، أقام بايدن حفل عشاء دولة لضيفه المهم، وهو شرف لم ينله إلا قادة فرنسا وكوريا الجنوبية خلال حكم بايدن. وألقى مودي خطابا أمام جلسة مشتركة لمجلسي الكونغرس، وهي دعوة لا ينالها إلا أقرب الحلفاء للولايات المتحدة بعيدا عن الانقسامات الحزبية بين الديمقراطيين والجمهوريين.
وفي الوقت الذي احتفي فيه بايدن بمودي، رأى كثير من المعلقين أن زيارة رئيس الوزراء الهندي تمثل اختبارا لإدارة بايدن، التي وضعت نفسها حامية ديمقراطية ضد امتداد نفوذ النظم التسلطية حول العالم، بينما تغض الطرف عن التقارير التي تتهم نيودلهي بانتهاكات لحقوق الإنسان، في حين تهتم بالتركيز على الانتهاكات التي تقوم بها الحكومة الصينية.
قبيل الزيارة كتب 75 عضوا ديمقراطيا في الكونغرس خطابا إلى بايدن يحثونه على إثارة قضايا حقوق الإنسان والحريات الدينية مع ضيفه الهندي، كما نصحه الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما بضرورة التطرق في مباحثاته مع مودي إلى موضوع حماية الأقلية المسلمة في الهند ذات الأغلبية الهندوسية. وقال أوباما: “إذا أجريت محادثة مع رئيس الوزراء مودي، الذي أعرفه جيدا، فإن جزءا من حجتي سيكون أنه إذا لم تقم بحماية حقوق الأقليات العرقية في الهند، فهناك احتمال قوي أن تبدأ الهند في مرحلة ما في التفكك، وذلك سيكون مخالفا لمصالح الهند”.
ومنذ صدور هذه التصريحات يشن الإعلام الهندي حملة ضارية على الرئيس الأميركي الأسبق، ولم يسلم كذلك من هجمات كثير من الوزراء الهنود الذين كرروا أن الاسم الصحيح له هو “حسين أوباما”.
75 عضوا ديمقراطيا في الكونغرس إضافة إلى الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما طالبوا بايدن بإثارة قضايا حقوق الإنسان والحريات الدينية مع ضيفه الهندي، لكنه لم يفعل ذلك
وفي الوقت الذي تجاهل فيه بايدن معاناة مسلمي الهند، فرضت إدارته عقوبات على مسؤولين حكوميين صينيين على خلفية انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في إقليم شينغيانغ غربي البلاد.
ووثقت تقارير مختلفة انتهاكات واسعة يتعرض لها ملايين المواطنين الصينيين الذين يدينون بالإسلام. وتعد طائفة الإيغور أهم الطوائف الإسلامية الصينية، وطبقا لبي بي سي، فقد سجنت السلطات الصينية أكثر من مليون شخص من هذه الأقلية العرقية في معسكرات تهدف إلى محو الهويتين العرقية والدينية.
وتحاول السلطات الصينية منذ عقود وقف انتشار الإسلام من أجل الحفاظ على تأثيرها في شينغيانغ، زاعمة أن المنطقة تتعرض لتهديد خطير من هجمات مسلمين متشددين يسعون لإثارة التوتر بين الأقلية المسلمة وإثنية “هان” التي تشكل الأغلبية من سكان هذا الإقليم وبقية أقاليم الصين. وترى الحكومة الصينية أن سياساتها أعادت الأمن إلى شينغيانغ، وأن هناك حفاظا على حقوق الإنسان الأساسية للأشخاص من جميع الجماعات العرقية في الإقليم. وأنه لم يقع هجوم إرهابي واحد منذ 5 سنوات، وأن الناس لديهم إحساس أقوى بالسعادة والإنجاز والأمن.
إزاء هذه القضية، أعلنت إدارة بايدن العام الماضي أن معاملة الصين لمسلمي الإيغور تمثل “إبادة جماعية”، وهو ما أضفي الطابع الرسمي على تقييمها الرهيب لحملة الاحتجاز الجماعي وتعقيم الأقليات في إقليم شينغيانغ.
قد لا يرقى حجم الانتهاكات في الهند إلى ما يجري في الصين، إلا أن ذلك يجب ألا يبرر صمت بايدن عن إثارة هذه القضية مع حليفه المقرب. ووثق التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن حالة حقوق الإنسان في العالم، في القسم الخاص بالهند، حالات عديدة من القتل غير المشروع والتعسفي، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء التي ترتكبها الحكومة، والتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية، أو غير الإنسانية ضد مسلمي الهند.
كما وثق التقرير لحالات استيلاء على الممتلكات وطرد أشخاص من أماكن إقامتهم، أو تجريف منازلهم دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة أو التعويض الكافي. كما أشارت تقارير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إلى تفاصيل انتهاكات في عدة ولايات يقوم بها قادة من حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم ضد نشطاء مسلمين.
وتتناقض حميمية العلاقة بين بايدن ومودي مع ما جمع مودي من عداء بإدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، ففي 18 مارس/آذار 2005، رفضت وزارة الخارجية الأميركية منح ناريندرا مودي، رئيس وزراء ولاية غوجارات الهندية آنذاك، تأشيرة دبلوماسية لزيارة الولايات المتحدة.
واعتبرت الحكومة الأميركية رئيس الوزراء الهندي شخصا منبوذا لما يقرب من 10 سنوات، حرمته خلالها من الحصول على تأشيرة دخول بسبب الانتهاكات الجسيمة للحرية الدينية التي تستهدف المسلمين بصورة خاصة، وقد منع فعليا من دخول أراضي الولايات المتحدة طوال تلك المدة.
في النهاية، تتسق رؤية وموقف بايدن من احتضانه للهند ورئيس وزرائها بسبب موقفهما المشترك مما يرونه “تهديدات صينية كبيرة” لمصالحهما حول العالم، إلا أن صمته عن انتهاكات الحكومة الهندية وتبنيها خطابا شعبويا متطرفا لصالح الأغلبية الهندوسية، يدعم الشعور بالإفلاس القيمي والأخلاقي عندما يلقن الدكتاتوريات الحاكمة حول العالم دروسا في الديمقراطية وحقوق الانسان.