تقف الفتاة الرومانية ألكسندرا أمام المرآة تحاول ضبط الحجاب على رأسها، وهي تضعه لأول مرة. تتمكن أخيرا من ضبطه قبل الذهاب إلى المسجد، وفي جعبتها بعض الأسئلة عن الإسلام الذي لم تقرر اعتناقه بعد. جلست في الصف الأول، وتبدأ في طرح استفساراتها الدينية لتطمئن إلى خطوة الارتباط بالشاب الروماني دانيال الذي دخل الإسلام حديثا وجمع الحب بين قلبيهما.
وقررت أن تمضي قدما في الارتباط بدانيال، ولم يمض وقت طويل حتى اصطدمت أحلام كلا الزوجين بالواقع، فقد كان عليهما أن يخوضا معارك مع الآخرين من أجل الحفاظ على أسرتهما. من هذه المعارك مواجهة التمييز الديني في المجتمع، وقد قدما صورة لذلك في الفيلم الروماني “زوجي المسلم” للمخرجين دانيال إيوان بيرنوشي وألكسندرا ليزيتا بيرنوشي، إنتاج عام 2023.
ويقدم مهرجان سراييفو للأفلام العرض الأول لهذا الفيلم بدورته 29 لعام 2023، المقامة حاليا بالعاصمة البوسنية، ويعد نموذجا من الأفلام التي تعرض لحياة الأوروبيين الذين اعتنقوا الدين الإسلامي. وتنبع خصوصية الفيلم من أن الخيال فيه يتماهى مع الواقع بشكل كبير، لكونه قصة حقيقية بطلها بالفعل المخرج وزوجته المخرجة. كما أنه يقدم زاوية جديدة للتعاطي مع مسلمي أوروبا لأن معظم الاهتمام الإعلامي ينصب على تجربة المسلمين الجدد بدول أوروبا الغربية مثل فرنسا وهولندا وبريطانيا من دون الالتفات لمسلمي أوروبا الشرقية مثل رومانيا وبلغاريا وأوكرانيا.
يصور الفيلم معاناة حقيقة يمر بها المسلمون الجدد في القارة الأوروبية الذين كُتب عليهم العيش على تخوم ثقافتين؛ إحداهما ثقافتهم الأصلية المليئة بأمور تتناقض مع الإسلام ويصعب التعايش معها، والأخرى ثقافة الدول العربية والإسلامية التي تحملها مجتمعات المهاجرين إلى أوروبا، وهي ثقافة لم يتربوا عليها ومليئة بكثير من العادات التي لا تمت للدين بصلة. ولهذا يضطرون للعيش في أتون صراع للتكيف مع هذه وتلك، وتبلغ المعاناة أوجها حين يتعلق الأمر بزواج مختلط يحاولون فيه بناء أسرة وسط مجتمع غير متجانس.
وقد عالج المخرج البريطاني من أصول باكستانية عليم خان القضية نفسها في فيلمه الروائي الأول “بعد الحب” إنتاج عام 2020، والذي يعرض لقصة حياة زوجين أحدهما بريطاني من أصول إيرانية متزوج من سيدة بريطانية اعتنقت الإسلام. كان الزوجان يعيشان حياة هانئة جنوب البلاد على ضفاف بحر المانش حيث يعمل الزوج قبطانا بحريا قبل أن يوافيه الأجل فجأة وتكتشف الزوجة أن له حياة وأسرة ثانية في فرنسا. وتتنكر في هيئة عاملة نظافة لتتمكن من دخول بيته الثاني لتسبر أغوار هذه العلاقة التي لم تعلم عنها شيئا.
أقلية وسط الأقلية المسلمة
يعتبر المسلمون الجدد أو المتحولون الأوروبيون إلى الإسلام أقلية صغيرة داخل أقلية أكبر، وهي الجاليات الأوروبية المسلمة. وقد انعكس التهميش وغياب التمثيل الذي يعاني منه المسلمون الأوروبيون، سواء على صعيد وسائل الإعلام أو الأعمال الفنية والسينمائية، على هذه الأقلية.
وإذا كانت الدراما التلفزيونية في القنوات الأوروبية سباقة لتقديم أعمال مختلفة تتناول قضايا المسلمين من زوايا مختلفة، وخصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، فإن السينما الأوروبية لم تواكب هذه القضية بالشكل الكافي. والسبب يعود ربما إلى عدم الاعتراف الاجتماعي أو السياسي بخصوصية حالة المسلمين الجدد والمشاكل التي يواجهونها والتي تختلف عن بقية مشاكل المسلمين.
وأحد أوجه عدم الاعتراف بحالة المسلمين الجدد هو التعامل معهم ككتلة واحدة، جزء من الجالية المسلمة، وصبغهم بكل صفات وحتى مشاكل المسلمين في أوروبا. ففي فيلم “أربعة أسود” البريطاني إنتاج عام 2010، يصور المخرج كريس موريس وضعية 4 شباب مسلمين يقطنون مدينة شيفيلد ويقدمون على التخطيط لعمل انتحاري. ثلاثة من هؤلاء بريطانيون من أصول باكستانية، والرابع إنجليزي من المسلمين الجدد سيئ المزاج ومتسرع للغاية.
وينتمي هذا الفيلم إلى الكوميديا المأساوية السوداء، ويحسب له أنه قدم قضية شائكة للجمهور البريطاني في قالب إنساني وشبه فكاهي، ويُعرض حاليا على شبكة نتفليكس. ولم تختلف شخصية باري الذي دخل الإسلام حديثا عن بقية المسلمين بالفيلم سوى في لون البشرة الأشقر. وهو أمر مناف للحقيقة نتيجة الاختلافات الثقافية العميقة التي يحاول كثيرون القفز عليها.
ولم تتسرب معاناة التحول الديني، إلى السينما البريطانية، سوى في فيلم “الكافر” للمخرج جوش آبيغنانيسي إنتاج عام 2010، والذي يعرض في قالب كوميدي قصة مسلم بريطاني يكتشف فجأة أنه ليس ابنا لأبويه اللذين تربى في كنفهما، وأنهما تبنياه، وأن أبويه الحقيقيين من اليهود الأرثوذكس. ويخوض الممثل البريطاني من أصل إيراني أوميد جليلى مغامرة في محاولة الدخول وسط الجالية اليهودية في بريطانيا، والتعرف على عاداتها وطقوسها الخاصة.
ولا تعد ظاهرة المسلمين الجدد حديثة على المجتمعات الأوروبية لنلتمس العذر لغياب التجسيد السينمائي لها، لأنها حاضرة منذ نحو قرنين من الزمان بمعدلات مختلفة. ولهذا كان من اللافت غياب أي تجسيد سينمائي لحالات دخول الإسلام في العصر الفيكتوري، وهي فترة مهمة في التاريخ البريطاني. إذ لم تتجسد سينمائيا سوى في فيلم “فيكتوريا وعبدول” للمخرج البريطاني ستيفن فريرز وإنتاج عام 2017، ويحكي قصة علاقة غير تقليدية بين الملكة فكتوريا وبين خادمها الخاص محمد عبد الكريم القادم من الهند، إذ أصبح صديقا شخصيا لها ومدرسا للغة.
ولم تواكب السينما الأوروبية القصص المتعددة للمسلمين الجدد، وهي حالات تختلف في سماتها عن حالات التحول إلى الإسلام بالولايات المتحدة، ولا سيما من حيث ارتباطها بالتاريخ والطبقات الأرستقراطية، مثل تجربة أول بريطانية تذهب في رحلة للحج، الليدي إيفلين موراي، أو الليدي زينب المولودة بمدينة إدنبرة الأسكتلندية عام 1867 خلال العصر الفيكتوري، وهي تنتمي لعائلة أرستقراطية. وقد تعلمت العربية خلال رحلاتها مع والدها لكل من الجزائر ومصر.