شهدت الآونة الأخيرة زيادة كبيرة على عدد الاعتداءات الإرهابية التي ينفذها المستوطنون اليهود في الضفة الغربية ضد الفلسطينيين.
ويقر جهاز المخابرات الداخلي الإسرائيلي في بيان صدر عنه مطلع هذا الأسبوع بأن عدد العمليات الإرهابية التي نفذها المستوطنون ضد الفلسطينيين في النصف الأول من العام 2023 فاق عددها في العام 2022. وتشمل اعتداءات المستوطنين الإرهابية عمليات القتل، و كان آخرها حادثة قتل الشاب الفلسطيني قصي معطان “22 عاما” في بلدة “برقة”، قضاء رام الله، وسط الضفة الغربية.
فضلا عن ذلك فإن الاعتداءات الإرهابية تشمل إحراق المساجد والإضرار بها، كما حدث في مسجد بلدة “أم الصفا”، قضاء رام الله، حيث عرضت قناة “كان” الرسمية الإسرائيلية قبل شهر فيديو يظهر فيه المستوطنون وهم يمزقون المصاحف بعد مهاجمة المسجد. إلى جانب ذلك، فإن اقتحام البلدات والقرى الفلسطينية بأعداد كبيرة بات نمط عمل معتمَد لدى المستوطنين، حيث يهاجمون البيوت ويحرقونها، ويتلفون المركبات وكل ما يعثرون عليه.
اشتاط وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير غضبا لمجرد أن وجهت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية انتقادا لحكومته بعد إقدام المستوطنين على قتل الشاب الفلسطيني قصي معطان، حيث غرد على حسابه على تويتر بأن قاتل معطان يجب أن يمنح “وساما”
لكن أكثر أنماط العمليات الإرهابية التي يمارسها المستوطنون تتمثل في السيطرة على أراضي الفلسطينيين الخاصة وبناء البؤر الاستيطانية فوقها، بعد أن تتم مهاجمة القرويين وإتلاف الحقول واجتثاث كروم الزيتون بشكل خاص.
لا تقتصر اعتداءات المستوطنين على المسلمين من الفلسطينيين، بل تستهدف أيضا المسيحيين، وتحديدا في القدس المحتلة. فقد وثق وثائقي عرضته قناة “كان” الإسرائيلية قبل ثلاثة أشهر سلسلة من الاعتداءات التي نفذها المستوطنون ضد المسيحيين في القدس، شملت الاعتداء على الكنائس، وإهانة القساوسة وتحقيرهم، الاعتداء على الشباب المسيحي المقدسي ومطالبتهم بمغادرة المدينة، فضلا عن المس بحرمة المقابر المسيحية بتحطيم شواهد القبور.
امتدت الاعتداءات ضد المسيحيين مؤخرا إلى مدينة حيفا، حيث يواصل المستوطنون اليهود من التيار الديني الحريدي اقتحام كنيسة “مار إلياس” بحجة البحث عن قبر النبي “اليشع” فيها وأداء الصلاة داخلها.
وضمن التحولات التي طرأت على نمط العمليات الإرهابية التي ينفذها المستوطنون اليهود ضد الفلسطينيين حقيقة أن أعدادا كبيرة من المستوطنين المدججين بالسلاح باتت تشارك فيها، فضلا عن أنها تنفذ في وضح النهار، بعد أن كانت تتم في ساعات متأخرة من الليل ويشارك في تنفيذها عدد قليل من المستوطنين.
إلى جانب ذلك، فإن المستوطنين المسؤولين عن تنفيذ العمليات الإرهابية باتوا ينخرطون في تشكيلات منظمة مما أسفر عن اتساع رقعة الاعتداءات الإرهابية التي تطال القرويين الفلسطينيين في جميع أرجاء الضفة الغربية.
وقد تبين بشكل لا يقبل التأويل أن حكومة بنيامين نتنياهو تسهم إسهاما واضحا في توفير بيئة تشجع المستوطنين اليهود على توسيع اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين وتكثيفها. وهذا ما باتت تقر به، حتى قيادة جيش الاحتلال ومؤسسته الأمنية. فقد نقلت قناة “كان” ليلة السبت الماضي عن أوساط عسكرية وأمنية إسرائيلية أن ممارسات حكومة نتنياهو تشجع المستوطنين على تنفيذ الاعتداءات على الفلسطينيينن، ليس فقط بتعمد عدم اتخاذ أية خطوات عملية لوقف هذه الاعتداءات وتجاهلها، بل بدعمها وتأييدها.
اشتاط وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير غضبا لمجرد أن وجهت بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية انتقادا لحكومته بعد إقدام المستوطنين على قتل الشاب الفلسطيني قصي معطان، حيث غرد على حسابه على تويتر بأن قاتل معطان يجب أن يمنح “وساما” بزعم أنه أقدم على ذلك من منطلق “الدفاع عن النفس”، رغم أن صحيفة “هآرتس” نقلت عن قيادة جيش الاحتلال أن رواية الفلسطينيين بشأن حادثة القتل صحيحة تماما وأن المستوطنين اقتحموا أراضي بلدة “برقة” بهدف تنفيذ الاعتداء.
لا يكتفي بن غفير بامتداح العمليات الإرهابية التي ينفذها المستوطنون، بل إنه يمنع الشرطة من التحقيق في هذه الاعتداءات، كما دللت على ذلك، قناة “كان”، مطلع الأسبوع الجاري.
وقد تبين أن أوساطا استيطانية مرتبطة بالأحزاب المشاركة في الحكومة تلعب دورا مباشرا ومهما في تنفيذ الاعتداءات الإرهابية. فقد ذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن أحد الذين قادوا الاعتداء على بلدة “برقة” هو إليشيع يارد، الذي كان ناطقا بلسان النائبة ليمور سون هار ميلخ، التي تنتمي إلى حركة “القوة اليهودية” التي يقودها بن غفير.
ومن أنماط التشجيع التي تعكف عليها حكومة نتنياهو عدم تحركها لإزالة البؤر الاستيطانية التي يدشنها المستوطنون على الأراضي الفلسطينية التي يسيطرون عليها بقوة السلاح ودون الحصول على إذن جيش الاحتلال. ويمنع وزير المالية الإسرائيلي بتسلال سموتريتش، بوصفه أيضا الوزير المسؤول عن الاستيطان، الجيش من تفكيك هذه البؤر، رغم أنها تعد “غير قانونية” حسب القانون الإسرائيلي.
ويلعب الجهاز القضائي الإسرائيلي دورا رئيسا في تشجيع المستوطنين في تنفيذ الاعتداءات ضد الفلسطينيين، حيث نادرا ما تنتهي ملفات التحقيق التي تفتح في هذه الاعتداءات بتقديم لوائح اتهام ضد المتورطين فيها. وحسب تقرير صادر عن منظمة “ييش دين” الحقوقية الإسرائيلية فإنه من أصل 1531 هجوما إرهابيا شنه المستوطنون اليهود على الفلسطينيين في الفترة الفاصلة بين عامي 2005 و2022 تم توجيه لوائح اتهام في 107 هجوم فقط، وهو ما يمثل 7% من الهجمات. ومن الواضح أن مواصلة حكومة نتنياهو تمرير التعديلات القضائية سيوفر بيئة قانونية تشجع على زيادة عدد العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين وجعلها أكثر فتكا.
إن تشجيع الحكومة الإسرائيلية المستوطنين اليهود على تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين يرجع بشكل أساسي إلى أن بعض الحركات التي تشكل هذه الحكومة كانت جزءا من التشكيلات الإرهابية اليهودية التي تعمل ضد الفلسطينيين حاليا. ويعد الوزير سموتريتش من مؤسسي تنظيم “فتية التلال” الإرهابي، الذي يلعب حاليا دورا رئيسا في تنفيذ الاعتداءات ضد الفلسطينيين.
وقد تماهى سموتريتش علنا مع العمليات الإرهابية ودافع عنها عندما دعا قبل عدة أشهر إلى “محو” بلدة حوارة. وسبق لسموتريتش أن وضع الفلسطينيين أمام ثلاثة خيارات لا رابع لها: المغادرة، أو العمل في خدمة اليهود، أو القتل، مشددا على أنه يستند في ذلك إلى الفتوى التي تضمنها أحد المصنفات الفقهية للحاخام موشي بن ميمون، أحد الحاخامات الذين عاشوا في القرن الثاني عشر. أما بن غفير، فقد كان عضوا في حركة “كاخ” الإرهابية التي أسسها الحاخام مئير كهانا التي أخرجتها الحكومة الإسرائيلية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي عن “دائرة القانون” بوصفها تشكيلا إرهابيا.
لكن تشجيع الحكومة الإسرائيلية الإرهابيين اليهود على تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الفلسطينيين لا يرجع فقط إلى مجرد التماهي التنظيمي بين هؤلاء الإرهابيين وبعض وزراء حكومة نتنياهو، بل يعود بالأساس إلى أن هذه الحكومة ترى في هذه العمليات إحدى الوسائل التي يمكن أن تحقق هدفها الإستراتيجي المتمثل في حسم الصراع مع الفلسطينيين لصالح الكيان العبري.
تراهن الحكومة الإسرائيلية تحت تأثير الحركات الدينية المشاركة فيها على اعتداءات المستوطنين الإرهابية في محاولة تقليص قدرة الفلسطينيين على البقاء والتشبث بأرضهم مما يسمح باتساع المشروع الاستيطاني وتكريس الضم الفعلي للضفة الغربية لإسرائيل.
فالبرنامج السياسي المعلن لحركة “القوة اليهودية” يتحدث صراحة عن وجوب العمل على تهجير فلسطينيي الضفة الغربية وفلسطينيي الداخل.
إن ما تقدم يشي بحجم المخاطر التي تحيق بالفلسطينيين وقضيتهم مما يوجب عليهم التحرك السريع للتوافق على برنامج مقاومة شامل لمواجهة الإرهاب الذي تمارسه الحكومة الإسرائيلية والمستوطنون اليهود ومنعه من تحقيق الأهداف المعقودة عليه.