يتصاعد النزاع بين الهند وباكستان حول ملكية علامة “أرز بسمتي” في الأسواق العالمية، وبينما تسعى الهند للحصول على اعتراف دولي به كمنتج وطني تعارض باكستان ذلك بشدة باعتباره جزءًا من تراث مشترك، وفقًا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست.
وقال الكاتبان ريك نواك وكاريشما مهروترا، في التقرير الذي نشرته الصحيفة، إنه قبل زمن طويل من تحول هذه الأرض إلى حدود فاصلة بين الهند وباكستان كان المزارعون هنا يزرعون نوعًا ثمينًا من الأرز الطويل الحبة والذي كان مطلوبًا في جميع أنحاء العالم.
وأشار الكاتبان إلى أن الهند تسعى لمنح أرز بسمتي وضعية الحماية في الأسواق العالمية كمنتج هندي فريد، وهو ما يواجه معارضة شديدة من باكستان التي تعدّه جزءًا من التراث المشترك بين البلدين.
ولكن في المناطق التي تُعدّ القلب النابض لزراعة البسمتي، يرى كثيرون أن التهديد الحقيقي يتجاهله قادة البلدين، إذ إنه مع التوقعات بوصول الطلب العالمي على البسمتي إلى 27 مليار دولار بحلول عام 2032، يحذر المزارعون والخبراء من أن هذا النوع المميز من الأرز بات على شفا الانقراض.
ويقول ديبال ديب عالم البيئة الذي يعمل مع المزارعين الهنود للحفاظ على البذور المحلية إن “المزارعين الشباب فقدوا المعرفة التقليدية عن كيفية الحفاظ على نقاء الجينات”، مشيرًا إلى أن الجدل حول من يملك الأرز البسمتي هو “إهدار كامل للطاقة من كلا الجانبين”.
وتابع الكاتبان أنه في الثمانينيات بدأ المزارعون في الهند وباكستان بزراعة أصناف تنضج في وقت أسرع وتنتج محاصيل أوفر، لكنها افتقرت إلى الغنى المميز لأرز البسمتي.
ومع تحول المزارع الصغيرة إلى مشاريع زراعية ضخمة على مدى العقود التالية، أدت دورات الحصاد السريعة، وطرق المعالجة المختصرة، وتدهور التربة، الذي أسهم فيه تغير المناخ جزئيا، إلى إنتاج أرز أقل عطرية.
ويقول فيصل حسن، الذي أصبح والده بطلًا قوميا في باكستان عندما ساعد في تطوير صنف شهير من أرز البسمتي في الستينيات “لقد تنازلنا عن التعريف الحقيقي للبسمتي. هذا انتحار”.
ازدهار البسمتي عالميا
ويؤكد الكاتبان أن أرز البسمتي يرتبط بعمق بمنطقة البنجاب التي تضم اليوم ولاية في الهند ومحافظة مجاورة في باكستان، حيث وجد علماء الآثار أن الأشكال المبكرة منه ربما زُرعت هناك منذ ألفي عام. كذلك ظهرت إشارات مكتوبة إليه منذ القرن 16، عندما كانت إمبراطورية المغول تحكم معظم شبه القارة الهندية.
ويقول رجا أرسلان الله خان أحد مصدري الأرز الباكستاني “لقد كان طعام الأباطرة والملوك”.
ورغم ذلك، لم يحقق أرز البسمتي نجاحًا عالميًّا فوريًّا، فقد كان المستوردون الأوائل في الغالب من الشرق الأوسط، ثم تنامى الطلب على البرياني، إضافة إلى الجاليات الجنوب آسيوية في أوروبا والولايات المتحدة.
وأضاف الكاتبان أن الهند وباكستان تتنازعان حول من يملك أفضل أرز بسمتي، ومن له الحق في المطالبة باسمه، مشيران إلى أنه خلال حرب 1965 بين الهند وباكستان اتهم مزارعون باكستانيون الجنود الهنود بسرقة بذورهم، بينما اتهمت الهند لاحقًا جارتها بنسخ أكثر أصنافها تميزًا.
وأشار الكاتبان إلى أنه في العقود الأخيرة، كانت للهند اليد العليا في سباق الهيمنة العالمية على أرز بسمتي، إذ تفوقت إستراتيجياتها التسويقية وسياسات التصدير الناجحة على باكستان التي وصفها صبور أحمد، وهو مورد أرز في لاهور، بأنها “وصلت متأخرة إلى السوق”.
وأضاف الكاتبان أنه رغم التفوق الهندي، فإن محاولات نيودلهي لترسيخ ملكيتها لأرز البسمتي عالميًّا وجهودها القانونية في هذا الصدد لم تحرز تقدمًا كبيرًا، وبينما لا تزال هناك قضية هندية قيد النظر في الاتحاد الأوروبي رفضت كل من أستراليا ونيوزيلندا دعاوى قانونية مماثلة.
![](https://saudiwatan.com/wp-content/uploads/2025/02/doc-36hd98a-1739320799.jpg)
إرث مهدد بالزوال
يؤكد الكاتبان أنه لا توجد أرقام دقيقة عن كمية أرز بسمتي التقليدي التي لا تزال تُزرع في باكستان، لكن المصدرين والخبراء يتفقون على أن أغلب الإنتاج الحالي يعتمد على الأصناف الأحدث وذات المحصول المرتفع.
وعلى الجانب الآخر من الحدود، شكّل صنف “بوسا بسمتي 1121” حوالي 70% من إجمالي زراعة بسمتي في ولاية البنجاب الهندية عام 2019.
وأشار الكاتبان إلى أنه من غير المرجح أن ينعكس هذا الاتجاه، فوفقًا لإحدى الدراسات حقق المزارعون أرباحًا بلغت في المتوسط 1400 دولار لكل هكتار من صنف 1121 PB، أي ما يعادل أكثر من ضعف العائد البالغ 650 دولارًا الذي حصلوا عليه من الأصناف القديمة.
ويؤكد الكاتبان أن الباكستانيين يرون أن أرز بسمتي سيظل حاضرًا على موائدهم، حتى لو لم يعد كما كان في الماضي. ومع ذلك، لجأ بعض المستهلكين إلى استبداله بأصناف أرخص.