تعد مشاركة المنشورات الطريفة أو المفيدة أو الغريبة إحدى النشاطات الأساسية التي نقوم بها على مواقع التواصل الاجتماعي.. ومن الملاحظ أن الأفراد يستخدمون طرقا مختلفة لمشاركة المنشورات، مثل الضغط على زر مشاركة، أو نسخ المنشور ووضعه على صفحاتهم الشخصية مع الإشارة إلى اسم صاحبه في نهاية المنشور… وفي أحيان كثيرة، يقوم بعض الأفراد بسرقة المنشورات ونسبتها إلى أنفسهم…
فما هي الطرق الصحيحة لمشاركة المنشورات؟ وهل مبدأ الأمانة العلمية هو الذي ينبغي أن ينظم المشاركة الصحيحة على مواقع التواصل الاجتماعي؟ أم أن طبيعة مواقع التواصل الاجتماعي تتطلب مبدأ آخر؟
أقترح عليكم في هذا المقال، عشر قواعد أساسية تمكننا من فهم الأسس التي ينبغي أن تؤطر التفكير في مسألة مشاركة منشورات الفيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي، واقتراح الطرق الصحيحة لمشاركة تلك المنشورات:
- القاعدة الأولى قد يجدها الكثير من الأفراد صادمة: حينما يعجبك منشور ما، فإن الطريقة الوحيدة الصحيحة لنشره على صفحتك هي بالضغط على زر المشاركة، أما نسخ النص ووضعه في صفحتك مع عبارة “منقول” أو اسم صاحب المنشور في آخر سطر، فهذا يجعلك أشبه بلص مؤدب، يشكر الناس بعد أخذ نقودهم!
- لا ينبغي لوم الناس، لأنه لا توجد قواعد واضحة، ومعلنة أمام الجميع، تحدد أغراض استخدام الفيسبوك، وقواعد ذلك الاستخدام، وهذه الفوضى مقصودة وهدفها تجاري، لأن أي تقييد أو تنظيم يضعف نشاط المنصة ويضر بها تجاريا؛ لذا فإنه لا يمكننا لوم الناس على الطرق التي يشاركون بها المنشورات، حيث تبقى اجتهادات فردية في مجالٍ قواعده غير واضحة. ومعظم الناس يشاركون بحسن نية وفق ما يعتبرونه هم صوابا وأخلاقيا.
- يعتبر الكثير من مستخدمي مواقع التواصل أنه من المشروع نسخ أي تدوينة أعجبتك، ونشرها على صفحتك، مع وضع اسم صاحبها في نهاية التدوينة. ويعتقد هؤلاء أنهم حريصون على “الأمانة العلمية”، وهذا أمر محمود طبعا، لكنني أعتبره غير دقيق.. لأن هذه الطريقة تستند إلى افتراض غير صحيح مفاده أن مجال الإنتاج العلمي هو مماثل للنشر على الفيسبوك، وبالتالي فإنه يمكن سحب قواعد الإنتاج العلمي والأكاديمي وتطبيقها على النشر في مواقع التواصل الاجتماعي.. والأمر بخلاف ذلك، وذلك للأسباب التالية:
- في المجال الأكاديمي نتحدث عن الأمانة العلمية، وهي تعني ببساطة، إمكان الاعتماد على جهود من سبقك في معالجة نفس الموضوع، شرط الالتزام بمواصفات معينة في الاقتباس وطريقة إيراد النصوص وإثبات أسماء مؤلفيها وفق منهجية التوثيق العلمي.. وأقصى ما يسعد الباحث هو أن يجد أعماله مثبتة في قوائم المصادر والمراجع المعتمدة في الكتب والأطاريح.
- في الفيسبوك، نتحدث عن “حقوق الملكية الفكرية”، وهذا مجال مختلف، ينظم الاستخدام التجاري لإبداعات العقل من صور ونصوص واختراعات وغيرها… لأن “قيمة” الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تتحدد بعدد المشاهدات والمشاركات والتفاعلات.. فإذا وصل عدد الذين يتابعون حسابي إلى رقم معين، وشوهدت فيديوهاتي مثلا بقدر معين، فيمكنني حينها التربح من الفيسبوك.. هذا بالإضافة إلى الخوارزميات التي تعمل وفقا لقدرة حسابي على جذب الانتباه.. وبالتالي، فإن مشاركة منشوراتي بأي طريقة أخرى غير الضغط على زر المشاركة، تنتقص مع الأسف من قوة المنشور، وتفقدني أصدقاء ومتفاعلين جددا محتملين، وتؤخر تقوية حسابي، مقابل فعل النقيض من ذلك مع الحساب الذي أورد الاقتباس، رغم أن صاحبه لم يبدع ولم يبذل مجهودا، ومع ذلك حصد من خلاله تفاعلات تجعل حسابه أقوى!
- بالعودة إلى الفيسبوك نفسه، والبحث عن أسلوب المشاركة الذي يقترحه، نجد أنه يقترح طريقة واحدة فقط، هي اعتماد خيار “المشاركة”، لأن إدارة الفيسبوك واعية بالبيئة التجارية التي تعمل من خلالها، وواعية بأن اقتباس تدوينة، قد لا يعني فقط اقتباس فكرة، بل يتعداه إلى جني ثمار مجهود الآخرين… وعموما من المنطقي أن نلتزم بقواعد الاستخدام التي تقترحها إدارة التطبيق الذي نستخدمه.
- بعض الأشخاص يقيدون من إمكان مشاركة منشوراتهم، وهذا من حقهم، ومهما أعجبتك منشوراتهم، فهي وليمة فكرية أو إبداعية عموما يدعون إليها من يرتضونه من أحبابهم وأصدقائهم، وطبعا لا يحق للضيف أن يجلب معه ضيوفا آخرين! لذا من الضروري أن نستأذن صاحب التدوينة الأصلية، فإذا أذِن بمشاركتها، فينبغي أن نبدأ باسمه أولا، كأن نقول: “هذه تدوينة مفيدة من حساب الصديق …، ونعود إلى السطر ونثبت نص التدوينة كاملا، أو مع التصرف، مع الإشارة إلى أنك تصرفت فيها… وبهذا يكون القارئ على وعي من السطر الأول بصاحب التدوينة، ويمكن له أن يرسل إليه طلب صداقة لمتابعة حسابه.
- هناك فرق كبير بين الإشارة إلى اسم صاحب التدوينة (أو النص المقتبس) في أولها وبين الإشارة إليه في نهايتها؛ فإثبات اسم المبدع الأصلي في نهاية التدوينة هم أمر خادع، إذ كثيرا ما استغربت وأنا أقرأ لبعض الأصدقاء، كيف تطور أسلوبهم وكيف أصبحوا يدونون بهذه الطريقة الرائعة، لأتفاجأ في نهاية النص بأن التدوينة منقولة؛ وحيث أن الكثير من مستخدمي مواقع التواصل لا يصبرون على قراءة النصوص الطويلة، فإنه من الوارد أن يحدث معهم أحد أمرين: إما أن يتوقفوا في منتصف النص وهم يتوهمون أن الذي شارك المنشور المنقول هو مدون بارع فتترسخ في أذهانهم صورة جذابة ووهمية عنه، وإما أن يضغطوا بشكل تلقائي على زر المشاركة في منتصف القراءة، فيدعمون حسابه ويساهمون في تعزيز صورته الوهمية الجذابة عند الآخرين.
لذا فحينما يتعذر علينا تقنيا استخدام خاصية المشاركة، فإنه من الواجب إثبات اسم المبدع الأصلي في بداية التدوينة، على أن يكون الاسم مكتوبا على شكل رابط إلى حسابه. وبالتالي لن نحرمه من حقه بالتعريف بحسابه أو الحصول على أصدقاء جدد. - إذا أردنا استخدام جزء من تدوينة كاقتباس علمي في مقال أو دراسة، فالتوصيات الأكاديمية (APA و MLA مثلا) تجمع على ضرورة إثبات اسم المدون/ المستخدم ونص التدوينة… وفق مواصفات معينة للإحالة، يمكن للباحثين الاطلاع عليها في المواقع المختصة.
- إذا أردنا استخدام جزء من تدوينة كاقتباس في تدوينة أخرى، وكان الأمر فعلا اقتباسا وتفاعلا ذاتيا مع الفكرة (وليس ركوبا على مجهود الآخرين) فينبغي الإشارة في البداية أن هذه التدوينة هي تفاعل ما كتبه “فلان” … ونشير إلى حسابه وتدوينته -موضوع التفاعل- لمن أراد العودة إليها..
- حينما تجد تدوينة جيدة، مذيلة في أسفلها بعبارة منقول، وتجد أنها جديرة بالمشاركة، فشارك تدوينة صاحبك من خلال الضغط على زر المشاركة، وبالتالي تحمله هو المسؤولية الأخلاقية عن “الاقتباس” بدل نسخ النص وإعادة مشاركته.
- من الصعب على معظم الناس التحرر من الإشباعات النفسية التي يقدمها الفيسبوك، وجميعنا نسعد حينما نحس أن منشوراتنا تعجب الآخرين، لذا فإننا نختار أحيانا ما “نقتبس” من منشورات، وفق توقعنا لكونها منشورات جيدة، وسوف تحقق لنا تفاعلا جيدا من أصدقائنا. بمعنى أن معظم “اقتباساتنا” واعية بالتأثير الإيجابي لبعض تدوينات الآخرين على حساباتنا، لذا من الضروري أن نتحرر من هذه الجرعة الخفية من الأنانية والتي قد تكون السبب في تحايل البعض من خلال نسخ النص، مع الإشارة إلى اسم صاحبه في نهايته.
وإذا كان ما سبق، مجموعة من المقترحات لتنظيم الطريقة التي نشارك بها المنشورات التي تروقنا على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن طبيعة المنشورات التي يمكننا مشاركتها، والمنشورات التي يستحسن تجنب مشاركتها، والمنشورات التي لا ينبغي مشاركتها، هي أيضا مسألة غير منظمة، وتحتاج منا إلى تأمل وتفكير.