قبل انطلاق محادثات المناخ في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP28) في دبي في وقت لاحق من هذا العام، أصبح دور الاقتصادات المنتجة للنفط والغاز في التحول إلى الطاقة النظيفة موضع تركيز كبير.
تعد مسألة ضمان قدرة الدول، لا سيما تلك التي اعتمدت على عائدات النفط والغاز لدعم تنميتها الاقتصادية، في التحول إلى مستقبل منخفض الانبعاثات بشكل منسق أمرا ضروريا للجهود الدولية للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري حتى 1.5 درجة مئوية، وهي واحدة من الأهداف الرئيسة في اتفاق باريس.
تعد عُمان مثالا واضحا لدولة تنتج النفط والغاز، وتضع نصب أعينها رؤية حازمة للتحول بالطاقة في الداخل بما يتماشى مع التزاماتها الدولية.
الانتشار السريع لمصادر الطاقة المتجددة سيمكن عُمان من جني مكاسب من سلاسل التوريد والقيمة المضافة في الطاقة الشمسية الكهروضوئية، وطاقة الرياح بالإضافة إلى تقنيات الطاقة النظيفة الأخرى
تمثل صناعات النفط والغاز حوالي 60% من دخل الصادرات الإجمالي لعُمان. أنشطة النفط والغاز، ولا سيما توليد الكهرباء وقطاع الصناعة، مسؤولة عن غالبية الانبعاثات الحاصلة في البلاد، حيث يمثل الغاز الطبيعي وحده أكثر من 95% من توليد الكهرباء، كما يساهم الحديد والصلب والألمنيوم والبتروكيميائيات والتكرير في إجمالي الانبعاثات المحلية.
غير أن الدولة قد هيأت نفسها للتغيير، وبعزيمة تامة، وضعت الحكومة نصب أعينها على هدفها في تحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، وقد اعتمد هذا الهدف في أواخر العام الماضي.
يعد الحد من الانبعاثات في الصناعات الرئيسة في عُمان عنصرا مهما في تحقيق الحياد الصفري في البلاد. تحقيق هذا الحياد الصفري يمثل فرصة لسلطنة عُمان في خلق قيمة اقتصادية، وتحسين القدرة التنافسية الصناعية، وجذب الاستثمارات للمساعدة في تنويع وتعزيز اقتصاد البلاد. وقد التزمت الحكومة بتكثيف حجم إنتاج الطاقة النظيفة، إذ ستلعب الطاقة المتجددة والهيدروجين المنخفض الكربون والأخضر ومشتقاته دور البطولة.
إلى جانب الوقود الأحفوري، فإن عُمان تتمتع بموارد طبيعية هائلة كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وإلى حد ما الطاقة الحرارية الأرضية وطاقة المد والجزر. يمكن للتوسع الحاصل في توليد الطاقة المتجددة أن يؤدي إلى العديد من الآثار الإيجابية. وتشمل هذه الفرص إزالة الكربون عن الصناعات المحلية، وجعلها أكثر قدرة على المنافسة، إذ من المقرر أن تتمتع الأسواق الدولية بمزيد من الفرص لتجارة المنتجات الصناعية المنخفضة الانبعاثات مثل الصلب.
علاوة على ذلك، فإن الانتشار السريع لمصادر الطاقة المتجددة سيمكن عُمان من جني مكاسب من سلاسل التوريد والقيمة المضافة في الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح، بالإضافة إلى تقنيات الطاقة النظيفة الأخرى مثل الهيدروجين، وأنواع الوقود الاصطناعي المنخفض الانبعاثات. ويمكن للطاقة المتجددة الإضافية أن تدعم أيضا تزويد الكهرباء في جزء من سلاسل إمداد النفط والغاز في عُمان مما يساهم في تقليل كثافة انبعاثات هذه الصناعات.
اتخذت عُمان فعليا خطوات عملية لتحقيق طموحاتها، حيث أنشأت كيانا مستقلا للإشراف على إستراتيجيتها الوطنية للهيدروجين، وهي خطوة مهمة توضح التزام الدولة في تعزيز اليقين لدى أصحاب المصلحة في الاستثمار والصناعة.
في حال تنفيذ الإستراتيجية بالكامل وفي الوقت المحدد، قد يتجاوز إنتاج الهيدروجين المتجدد فعليا حجم صادرات عُمان من الغاز الطبيعي المسال (LNG) الحالية. غير أن المهمة ستكون صعبة، إذ تتوقع عُمان أن الاستثمارات التراكمية سيتطلب منها الوصول إلى 140 مليار دولار حتى عام 2050 لتحقيق الأهداف المحددة في إستراتيجيتها، علما أن أهداف الإستراتيجية ستستخدم فقط 30% من الأراضي المخصصة للطاقة الشمسية وطاقة الرياح ذات الإمكانات العالية.
ولتقديم المساعدة في المضي قدما في هذه الإستراتيجية، عملت وزارة الطاقة والمعادن العُمانية مع وكالة الطاقة الدولية (IEA) على دراسة تفصيلية لكل من الإمكانات والتحديات في زيادة إنتاج الهيدروجين من الكهرباء المتجددة في البلاد.
إن مكانة عُمان كمصدر للوقود الأحفوري تعني أن بعض الأسس لاقتصاد الهيدروجين المتجدد موجودة بالفعل. يمكن للبنية التحتية الحالية كشبكات النقل والموانئ الصناعية وتخزين الغاز أن تستخدم بشكل مباشر أو أن يعاد توجيهها لدعم مشاريع الهيدروجين. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع القوى العاملة في سلطنة عُمان بمهارات مهمة ترتبط بالهندسة الكيميائية ودرجة الحرارة والسوائل وتوزيع ومعالجة الوقود، فضلا عن الخبرة المتعلقة بالصحة والسلامة. وتمنح هذه المهارات ميزة كبيرة لتحقيق طموحات الهيدروجين المتجددة.
تستفيد عُمان حاليا من ميزة التحرك السريع، ووفقا لأحدث تقييم عالمي أجرته وكالة الطاقة الدولية (IEA) لمشاريع الهيدروجين المعلنة، فإن عُمان في طريقها لتصبح سادس أكبر مصدر للهيدروجين على مستوى العالم بحلول عام 2030.
تعد عُمان، إلى جانب اقتصادات دول منتجة خليجية أخرى مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، من بين المتسابقين الأوائل الذين يمكنهم أن يساعدوا في دعم التحول المنظم إلى اقتصاد الطاقة العالمي المنخفض الانبعاثات.
مع مضي عُمان قدما في رحلتها للتحول في مجال الطاقة، فإنها تستعد لأن تصبح لاعبا مهما في مجال الطاقة المتجددة ونموذجا للدول الأخرى. ومن خلال تسخير مواردها الطبيعية وروابطها التجارية الراسخة وسمعتها الطيبة باعتبارها مصدرا موثوقا للطاقة، تتمتع عُمان بنقطة انطلاق قوية، ليس في تأمين مستقبلها الاقتصادي والطاقة فحسب، بل ستكون أيضا مساهمة فعالة في الجهود ضد تغير المناخ.