واشنطن- “هل أنت مهتم بالانضمام إلى قسمنا؟ انضم إلينا في الثالث من يونيو/حزيران 2023 في معرض التوظيف، تعرّف على عدد من الوظائف المتاحة، وقم بجولة في الأكاديمية، إضافة إلى المزيد.. نأمل أن نراكم هناك”.
يعكس هذا الإعلان الصادر في صورة تغريدة عن إدارة شرطة مدينة ساكرامنتو، عاصمة ولاية كاليفورنيا، ما آل إليه حال العديد من المقاطعات والمدن والقرى، في سعيها لسد الفجوات المتزايدة في أعداد الرجال والنساء العاملين في سلك الشرطة.
وخلال السنوات الثلاث الأخيرة، عرف اليأس طريقه للعديد من أجهزة الشرطة بسبب عزوف الشباب الأميركي عن الانضمام إليها، ويدقّ مسؤولين في إداراتها أجراس الإنذار، في حين يرى دعاة الإصلاح في هذه الظاهرة فرصة لإعادة تطوير الشرطة لمهامها.
لا مركزية شرطية ضخمة
تعرف الولايات المتحدة نظاما غير مركزي بصورة كبيرة في مجال عمل وحدات الشرطة التي يتم تنظيمها وإدارتها على مستويات محلية صغيرة ومحدودة في الكثير من الحالات وعلى مستوى المقاطعات والبلديات، ولا تُستثنى منطقة من التراجع في أعداد الضباط.
وتعاني إدارة شرطة مدينة سان فرانسيسكو بولاية كاليفورنيا نقصا بأكثر من 600 ضابط، أي نحو 30% من إجمالي أعداد جهاز الشرطة بها. وتحتاج مدينة فينيكس بولاية أريزونا إلى حوالي 500 ضابط للوصول للعدد الكامل المطلوب لجهازها الشرطي. أما في واشنطن، فقد أصبح عدد رجال الشرطة أقل مما كان عليه منذ 50 عاما رغم تضاعف أعداد سكانها.
ومع تزايد نسب جرائم العنف المسلح وسرقة السيارات، وتزامن ذلك مع مغادرة الكثير من رجال الشرطة مجال عملهم للبحث عن وظائف أخرى، ومع صعوبة استبدال المغادرين والمتقاعدين، يرى المراقبون أن كل ما سبق يعكس ما يواجهه جهاز الشرطة من أزمة توظيف تهدد السلامة العامة.
تأثير مقتل جورج فلويد
ويرى بعض المراقبين أن حادثة مقتل الأميركي الأسود “جورج فلويد” على يد عدد من رجال الشرطة البيض قبل 3 سنوات، وما تبعه من مظاهرات احتجاجية وأعمال عنف امتدت لعشرات الولايات، إضافة لتبني إجراءات مساءلة جديدة لسلوكيات رجال الشرطة، دفعت الكثير منهم إلى اختيار التقاعد المبكر أو الانتقال لوظائف أخرى بعيدا عن الشرطة.
ومن ناحية أخرى، يرى فريق آخر من المدافعين عن إصلاح الشرطة أن هذه اللحظة تمثّل فرصة لتوظيف جيل جديد من الضباط وإعادة هيكلة وتطوير عمل الشرطة.
ويحصل رجال هذا الجهاز على رواتب جيدة بمستوى معايير المعيشة الأميركية تضعهم ضمن أبناء الطبقة الوسطى. وتتفاوت رواتبهم حسب سنوات الخبرة والمهارات ومستوى التعليم، ويبلغ متوسط راتب الشرطي السنوي في ولاية تكساس مثلا 67 ألف دولار، وفي ولاية فلوريدا 59 ألف دولار، وفي كاليفورنيا 77 ألف دولار، وفي كانساس 58 ألف دولار.
القبول بأشخاص غير مؤهلين
في الماضي كانت إدارات الشرطة تضع إعلانا في الصحف تعلن فيه الحاجة لتوظيف 50 رجل شرطة جديد في ذلك العام، وكان يتقدم ما لا يقل عن 5 آلاف شخص ويتم اختيار الأفضل والأقوى في ظل منافسة مستعرة بين المتقدمين.
واليوم أصبح ذلك من الماضي في ظل معاناة إدارات الشرطة المختلفة من انخفاض أعداد ضباطها في وقت يصعب عليها جذب الشباب الصغير للالتحاق بـأكاديميات الشرطة.
وفي الوقت الذي تبحث فيه أجهزة الشرطة عن موظفين جدد، فإنها تحصل على عدد أقل من المتقدمين المؤهلين مقارنة بالسنوات الماضية، وهو ما دفع البعض إلى اتخاذ خطوة محفوفة بالمخاطر تتمثل في خفض المهارات المطلوبة لتوظيفهم ولملء الفراغ الشرطي.
وتقول أستاذة القانون بجامعة جورج تاون بالعاصمة واشنطن كريستي لوبيز، إن “هذا لا يبشر بالخير لمستقبل الشرطة، ففي هذه الحالات لن يستطيع المسؤولون فيها فرض العقوبات أو الإجراءات التأديبية حال ارتكاب عناصرها مخالفات خشية مغادرتهم، وستبقى مراعاة معنويات الضباط عنصرا مهما في التعامل داخل وحدات الشرطة، وهذا له عواقب وخيمة”.
واعترف رؤساء العديد من وحدات الشرطة في ولايات مختلفة بأنهم يخفضون معايير السجلات التعليمية والجنائية حتى يتمكنوا من تحقيق الحد الأدنى من الموظفين. وعلى سبيل المثال ذكر عمدة مدينة ممفيس بولاية تينيسي جيم ستريكلاند، أنه اضطر لتخفيض معايير التدريب استجابة للضغوط لتخريج المزيد من الضباط سريعا.
ولايات طاردة وأخرى جاذبة
يشعر عدد متزايد من رجال الشرطة في الولايات الليبرالية كنيويورك وإلينوي وكاليفورنيا وواشنطن بالإحباط، وهو ما يدفعهم للبحث عن فرص عمل مماثلة لكن في ولايات محافظة تقدّر رجال الشرطة مثل إنديانا وكنتاكي وميسوري وأيوا.
ويرى عدد من المعلقين أن البيئة السياسية المتغيرة حول الشرطة في المناطق الليبرالية تركت العديد من الضباط المخضرمين محبطين.
يقول كريغ فوترمان، أستاذ القانون بكلية الحقوق في جامعة شيكاغو ومؤسس مشروع الحقوق المدنية ومساءلة الشرطة “لا أعتقد أن الأمر ببساطة هو أن عددا أقل من الناس يريدون أن يصبحوا ضباط شرطة، حيث إن عددا أقل من الناس يرغبون في المشاركة في نوع عفى عليه الزمن من الشرطة كان ضارا بشكل خاص بمجتمعات السود والملونين وغير فعال إلى حد كبير في الحد من العنف”.
“شخص سيئ”
ويقول الخبراء إن حوادث القتل التي يرتكبها رجال الشرطة بالخطأ أو بسبب وحشية البعض، تشوّه أيضا هذه المهنة لدى الراغبين في الانضمام إليها، خاصة من المجتمعات الفقيرة أو الأقليات. ويقول العديد منهم إنهم سيشعرون بالخجل أو يواجهون رد فعل سلبيا من الأصدقاء أو الأقارب إذا بدؤوا خطوات الانضمام لأكاديميات الشرطة.
ويقول زاك غودمين، وهو طالب جامعي بمقاطعة مونتغمري بولاية ميريلاند، إن “زملائي وأصدقائي وأنا شخصيا نعتقد أنك شخص سيئ إذا كنت تريد أن تكون شرطيا”.