إسطنبول- ما إن حسمت نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية مساء الأحد الماضي، حتى كشف الرئيس التركي الفائز رجب طيب أردوغان عن استعداده لحملة انتخابية جديدة، بهدف استعادة بلدية إسطنبول في الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها عام 2024 المقبل، مسلطا الضوء بذلك على الأثر النفسي لنتائج الانتخابات العامة في التنافس على المدينة ذات الرمزية الشديدة.
وخاطب الرئيس التركي أنصاره الذين احتشدوا في منطقة أسكودار بمدينة إسطنبول احتفالا بفوزه عقب صدور النتائج غير النهائية، قائلا “نحن عشاق إسطنبول، معها بدأنا مسيرتنا ومعها سنستمر”، وتعهد في أول كلمة يخاطب بها الحشود عشية الانتخابات بكسب الانتخابات المحلية عام 2024.
وتحظى الانتخابات المحلية باهتمام كبير في البلاد بين الأحزاب السياسية، فالإدارة المدنية التي يتم اختيارها في هذه الانتخابات لا تقل أهمية عن الإدارة السياسية من وجهة نظر السياسيين.
ومن المقرر أن يشهد عام 2024 القادم عقد الانتخابات المحلية التي تتكرر كل 5 سنوات، حيث يختار المواطنون رؤساء البلدية وأعضاء المجلس البلدي والمخاتير.
وفي وقت تعد فيه بعض الولايات التركية معاقل تاريخية لأحزاب محددة، ومن ثم تحظى باهتمام من الأحزاب التي تديرها، فإن لولايات أخرى أهمية أكبر تجعل التنافس عليها أشد بين معسكري الحكومة والمعارضة، مثل إسطنبول وأنقرة.
وشهدت انتخابات عام 2019 صعودا نسبيا لأحزاب المعارضة وتراجعا في المقابل لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بعد أن خسر الأخير رئاسة بلدية كل من إسطنبول وأنقرة وبضعة مدن أخرى لصالح مرشحي حزب الشعب الجمهوري.
لماذا إسطنبول؟
وتعدّ مدينة إسطنبول مهمة لجميع الأحزاب، حالها حال باقي المدن الكبرى في البلاد، لكنها أكثر أهمية لحزب العدالة والتنمية نتيجة الكثير من الأسباب بحسب جلال دمير، وهو مسؤول محلي سابق ورئيس بيت الإعلاميين التركي.
وعدد دمير -في تصريح للجزيرة نت- أسباب الأهمية الاستثنائية لمدينة إسطنبول من وجهة نظر الحزب الحاكم، مؤكدا أنها مدينة كبرى تضم قرابة خمس الناخبين الأتراك في عموم البلد.
وأشار المسؤول التركي السابق إلى أن إسطنبول مدينة عالمية، كما أنها تتمتع برمزية تاريخية وروحية كبيرة في وجدان الشعب التركي، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي المميز، فهي المدينة الوحيدة التي تمتد في قارتين، وهي تتمع بمكانة اقتصادية كبرى انطلاقا من كونها المركز التجاري الأهم على مستوى البلاد.
إلى جانب ما سبق، شهدت رئاسة أردوغان لبلدية إسطنبول بين 1994 و1999 بداية مسيرته السياسية، ودرَج على لسان السياسيين في الآونة الأخيرة عبارة منسوبة لأردوغان نفسه مفادها “من يحظَ بإسطنبول يحظَ بتركيا”، مما يعكس مدى أهمية الانتخابات البلدية في المدينة الكبرى بالنسبة للرئيس التركي.
أجواء النصر
ويعتقد جلال دمير أنه سيكون للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت مؤخرا تأثير على الانتخابات المحلية المقبلة، وخاصة من الناحية النفسية، معتبرا أن نجاح أردوغان وحزبه في البرلمان والرئاسة سيعزز صورتهما لدى الناخب التركي من ناحية القوة والكفاءة.
من جهته، رأى الكاتب والباحث السياسي التركي أنس يلمان أن الاستعجال في الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية في إسطنبول، وفق ما أظهره خطاب الرئيس التركي في المدينة عقب فوزه بالانتخابات، يدل على رغبة أردوغان في “استثمار أجواء النصر التاريخي” بهدف استعادة المدينة التي فقدتها عام 2019.
يقول يلمان للجزيرة نت “أردوغان يقرأ الشعب جيدا. كانت انتخابات 2023 من أهم العقبات التي وقفت أمامه وتمكن من اجتيازها، ولهذا فهو لا يرغب في تبديد الأجواء التي خلقتها”.
ونبّه الباحث السياسي إلى أن مشروع “قناة إسطنبول” يعد من بين الأسباب التي تجعل هدف استعادة إدارة المدينة في الانتخابات المحلية المقبلة حيويا بالنسبة لأردوغان.
وأوضح أن مشروعا عملاقا بهذا الحجم يتطلب قدرا كبيرا من الدعم المالي واللوجستي لإكماله، وتملك بلدية إسطنبول دورا بالغ الأهمية في تلبية هذه الحاجة.
الرهان على الخبرة
ويعتقد يلمان أن خبرة الحزب الحاكم تحديدا في الإدارة المحلية ودوره الموثوق في معالجة آثار الزلزال المدمر وخططه المتعلقة بالتحول الحضري، ستكون أركانا في حملته الانتخابية التي يسعى من خلالها إلى إقناع الناخب في إسطنبول المعرّضة بالفعل لخطر وقوع زلزال مدمر للتصويت له.
ويقول إن هذه الملفات بدأ العمل عليها بالفعل قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، مشيرا إلى مشاريع شركة “توكي” الحكومية التي تنفذ أضخم مشروع في تاريخ الجمهورية لبناء السكن الاجتماعي، بالإضافة إلى حملة “النصف منا”، والتي تعني أن الحكومة ستتكفل بنصف مصاريف التحول الحضري في المشاريع التي يتم تنفيذها في إسطنبول، لتشجيع السكان على الانخراط فيها.
أما على صعيد المواصلات والبنية التحتية، فإن خطوط المترو لن تغيب عن الحملة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، وفقا للباحث التركي الذي نبّه إلى أن “خطوط المترو المختلفة التي يتم تشغيلها من خلال وزارة النقل والبنية التحتية، تدخل في نطاق الإستراتيجية التي تتبعها الحكومة في هذا السياق”.
روابط المعارضة
وبحسب يلمان، فإنه على الرغم من أن الخدمات والوعود المتعلقة بتحسينها تأتي في المقدمة بالنسبة للانتخابات المحلية، فإن من المتوقع أن تتمسك الحكومة بخطابها السياسي الذي يذكّر الناخبين بتحالف المعارضة مع حزب الشعوب الديمقراطية، المتهم بصلته بحزب العمال الكردستاني المصنف على لوائح “الإرهاب” في تركيا.
واعتبر الكاتب التركي أن إستراتيجية “ربط المعارضة بالإرهاب” نجحت في انتخابات 2023، مشيرا إلى أن اعتزال الزعيم الكردي السابق لحزب الشعوب الديمقراطية صلاح الدين دميرطاش، المحبوس بتهم تتعلق بالإرهاب، يأتي في إطار استعدادات معسكر المعارضة للانتخابات المحلية القادمة، من خلال إخفاء فاعلية الحزب الكردي في المشهد المعارض، بعدما تعلمت الدرس من الانتخابات الأخيرة.
سد الفجوة
وعلى الرغم من الفوز الذي حققه الرئيس التركي في الانتخابات الرئاسية، فإن تصويت إسطنبول لصالح مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو قد يشكل مؤشرا سلبيا على اتجاهات الناخبين في الانتخابات المحلية، بحسب مراقبين.
وفيما تراجعت نسبة التصويت لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية إلى 35%، فقد حصل كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية على أصوات أكثر بنسبة 3.5% عن رجب طيب أردوغان في إسطنبول.
يقول أنس يلمان إن أردوغان يريد دخول انتخابات إسطنبول بشخصية ذات وزن كبير لدى عامة الناس، قادرة على استقطاب المزيد من الأصوات بما يؤدي إلى إغلاق فجوة الـ3.5%.
وقال للجزيرة نت إنه ثمة مداولات غير رسمية تفيد بأن من الأسماء المطروحة للترشح لرئاسة بلدية إسطنبول: نائب رئيس المجموعة البرلمانية لحزب العدالة توفيق جوكسو، وعمدة أسكودار حلمي تركمان، وأيضا الوزيران مراد كوروم ومصطفى فارانك، فيما ثمة فرصة ضئيلة أن يتم تقديم مرشح قومي ليحصل على أصوات كتلة المعارضة القومية في إسطنبول.