خريجو الجامعات.. واستثمار طاقاتهم
شهدنا خلال هذه الأيام احتفال الجامعات السعودية تخريج دفعات متزايدة من الطلاب والطالبات في مختلف التخصصات، حيث بلغ عدد الطلاب في الجامعات السعودية نحو 2.2 مليون طالب وطالبة في عام 2024، مما يعكس التزام المملكة بتطوير نظام التعليم وتعزيز قدرات الشباب من خلال توفير فرص تعليمية عالية الجودة. ويعكس هذا الرقم الكبير حجم التطور في منظومة التعليم العالي في المملكة، والاهتمام المتنامي بتأهيل الكوادر الوطنية علميًا. إلا أن هذا التوسع يطرح تساؤلات جوهرية حول مدى قدرة سوق العمل على استيعاب هذه المخرجات، ومدى جاهزية الخريجين للاندماج في بيئة مهنية تنافسية ومتغيرة.
رغم ما يشهده قطاع التعليم من تطور، لا يزال الخريجون يواجهون عدة تحديات أبرزها:
• الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، لا سيما في بعض التخصصات النظرية وقد يصل إلى التطبيقية في ظل التقدم التقني المتسارع الذي يشهده عصرنا الحاضر.
• ضعف الخبرات العملية نتيجة قلة فرص التدريب الميداني والتطبيقي، ومدى تفاعل منظمات الأعمال في تحقيق الهدف من تلك البرامج في توظيف المتدربين.
• الاعتماد على القطاع الحكومي كمصدر رئيسي للتوظيف، رغم محدودية الفرص فيه، والتوجه لمنح الفرص للقطاع الخاص والغير ربحي في تقديم الخدمات المجتمعية.
• نقص الوعي بثقافة العمل المهني والعمل الحر، بما يشمل ضعف الإلمام بمتطلبات الوظيفة، وأخلاقيات العمل، ومهارات الانضباط، والتواصل، والمبادرة.
ولمعالجة هذه التحديات، تبرز الحاجة إلى حلول استراتيجية منسجمة مع رؤية المملكة 2030، ومن أبرزها:
• مواءمة التخصصات الجامعية مع أولويات الاقتصاد الوطني والتوجهات المستقبلية، مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الطاقة المتجددة، والاقتصاد الرقمي.
• تعزيز الشراكة بين الجامعات وسوق العمل من خلال برامج التدريب التعاوني والميداني، وكذلك تفعيل برامج ومشاريع حاضنات الأعمال.
• نشر الوعي بثقافة العمل الحر وريادة الأعمال بين الخريجين، وتأهيلهم فكريًا ومهنيًا لتبنّي المبادرة بدلاً من انتظار الوظيفة.
• تضمين مساقات مهارية وأخلاقية ضمن المناهج الجامعية، لتعزيز جاهزية الخريج لسوق العمل.
• تمكين القطاع الخاص من لعب دور أكبر في توظيف الشباب، من خلال الحوافز والبرامج الوطنية مثل “تمهير”، و”جدارة”، و”منشآت”.
لقد نجحت العديد من الدول في معالجة هذه التحديات من خلال نماذج ملهمة؛ ففي ألمانيا، طُبّق نظام “التعليم المزدوج” الذي يجمع بين الدراسة والتدريب المهني، وأسهم في خفض معدل بطالة الخريجين إلى أقل من 5%. وفي سنغافورة، أُدرجت وحدات إلزامية للخبرة العملية ضمن متطلبات التخرج، إلى جانب برامج توعوية تجهّز الطلاب نفسيًا ومهنيًا قبل دخول السوق. أما فنلندا، فاعتمدت التعليم القائم على المشاريع، والتدريب على مهارات العمل وأخلاقياته منذ السنوات الأولى في الجامعة.
ختامًا، إن تأهيل الخريجين وتمّكينهم من الانخراط الفاعل في سوق العمل ليس خيارًا تنمويًا فحسب، بل ضرورة وطنية لبناء اقتصاد مستدام وتحقيق تطلعات رؤية المملكة 2030.
- مستشار الاتصال المؤسسي ـــ خبير الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية
ayedhaa @x